واختلف أهل العربية في معنى المشيدة، فقال بعض أهل البصرة منهم: المشيدة:
الطويلة. قال: وأما المشيد بالتخفيف، فإنه المزين.
وقال آخرون منهم نحو ذلك القول، غير أنه قال: المشيد بالتخفيف: المعمول بالشيد، والشيد: الجص. وقال بعض أهل الكوفة: المشيد والمشيد أصلهما واحد، غير أن ما شدد منه فإنما يشدد لتردد الفعل فيه في جمع مثل قولهم: هذه ثياب مصبغة، وغنم مذبحة، فشدد لأنها جمع يفرق فيها الفعل، وكذلك مثله قصور مشيدة، لان القصور كثيرة تردد فيها التشييد، ولذلك قيل: بروج مشيدة، ومنه قوله: * (وغلقت الأبواب) * وكما يقال: كسرت العود: إذا جعلته قطعا، أي قطعة بعد قطعة. وقد يجوز في ذلك التخفيف، فإذا أفرد من ذلك الواحد، فكان الفعل يتردد فيه ويكثر تردده في جمع منه، جاز التشديد عندهم والتخفيف، فيقال منه: هذا ثوب مخرق وجلد مقطع، لتردد الفعل فيه وكثرته بالقطع والخرق. وإن كان الفعل لا يكثر فيه ولا يتردد لم يجيزوه إلا بالتخفيف، وذلك نحو قولهم: رأيت كبشا مذبوحا، ولا يجيزون فيه مذبحا، لان الذبح لا يتردد فيه تردد التخرق في الثوب. وقالوا: فلهذا قيل: قصر مشيد، لأنه واحد، فجعل بمنزلة قولهم: كبش مذبوح. وقالوا: جائز في القصر أن يقال قصر مشيد بالتشديد، لتردد البناء فيه والتشييد، ولا يجوز ذلك في كبش مذبوح لما ذكرنا.
القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) *.
يعني بقوله جل ثناؤه: * (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) *: وإن ينلهم رخاء وظفر وفتح ويصيبوا غنيمة يقولوا هذه من عند الله، يعني: من قبل الله ومن تقديره، وإن تصبهم سيئة، يقول: وإن تنلهم شدة من عيش وهزيمة من عدو وجراح وألم، يقولوا لك يا محمد: هذه من عندك بخطئك التدبير. وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره عن الذين قال فيهم لنبيه: * (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) *.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن سعد وابن أبي