وقال آخرون: بل هو جار ذي قرابتك. ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الرحمن، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن ميمون بن مهران، في قوله: * (والجار ذي القربى) * قال: الرجل يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك.
قال أبو جعفر: وهذا القول قول مخالف المعروف من كلام العرب، وذلك أن الموصوف بأنه ذو القرابة في قوله: * (والجار ذي القربى) * الجار دون غيره، فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة، ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل: وجار ذي القربى، ولم يقل: والجار ذي القربى، فكان يكون حينئذ - إذا أضيف الجار إلى ذي القرابة الوصية بين جار ذي القرابة دون الجار ذي القربى. وأما والجار بالألف واللام فغير جائز أن يكون ذي القربى إلا من صفة الجار. وإذا كان ذلك كذلك كانت الوصية من الله في قوله: * (والجار ذي القربى) * بين الجار ذي القربى دون جار ذي القرابة، وكان بينا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: والجار ذي القربى منكم بالاسلام. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال، ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف الشامي: * (والجار ذي القربى) * المسلم.
وهذا أيضا مما لا معنى له، وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب، الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها. وإذا كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة، إنما يعني به: إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين، كان صرفه إلى القرابة بالرحم أولى من صرفه إلى القرب بالدين.
القول في تأويل قوله تعالى: * (والجار الجنب) *.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والجار البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: * (والجار الجنب) * الذي ليس بينك وبينه قرابة.