إن لم يقتله الله لي لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح، فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بني. فأخذ داود مخلاته، فتقلدها وألقى فيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به.
ثم مضى نحو جالوت فلما دنا من عسكره، قال: أين جالوت يبرز لي؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله، فلما رآه جالوت قال: إليك أبرز؟ قال نعم. قال: فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب؟ قال: هو ذاك. قال: لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض. قال داود: أو يقسم الله لحمك. فوضع داود حجرا في مقلاعه، ثم دوره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه، فوقع من فرسه، فمضى داود إليه، فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرحوا فرحا شديدا، وانصرف طالوت. فلما كان داخل المدينة، سمع الناس يذكرون داود، فوجد في نفسه، فجاءه داود، فقال: أعطني امرأتي فقال:
أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود: ما اشترطت علي صداقا، ومالي من شئ. قال:
لا أكلفك إلا ما تطيق، أنت رجل جرئ، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس وهم غلف، فإذا قتلت منهم مائتي رجل، فأتني بغلفهم. فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط، حتى نظم مائتي غلفة، ثم جاء بهم إلى طالوت، فألقى إليه، فقال: ادفع لي امرأتي قد جئت بما اشترطت فزوجه ابنته. وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبا، فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود قال: سبحان الله ليس بأهل ذلك منك قال: إنك غلام أحمق، ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك. فلما سمع ذلك من أبيه، انطلق إلى أخته، فقال لها: إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره، ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك فتغيب. فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فلما جاء رسول طالوت قال: أين داود؟
ليجب الملك فقالت له: بات شاكيا ونام الآن ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إليه، فقالت: هو نائم لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائما فجاؤوا إلى الفراش، فلم يجدوا عليه أحدا. فجاؤوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبيني؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني. وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت، وملك داود بعده.