صحة ما قلنا في ذلك قول الله تعالى ذكره: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله فأوجب الله تعالى ذكره أن الذين يظنون أنهم ملاقو الله هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله دون غيرهم الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله، وأن الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله هم الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده وغير جائز أن يضاف الايمان إلى من جحد أنه ملاقي الله أو شك فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
اختلف أهل التأويل في أمر هذين الفريقين، أعني القائلين: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده والقائلين: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله من هما. فقال بعضهم: الفريق الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده هم أهل كفر بالله ونفاق، وليسوا ممن شهد قتال جالوت وجنوده، لأنهم انصرفوا عن طالوت، ومن ثبت معه لقتال عدو الله جالوت ومن معه، وهم الذين عصوا أمر الله لشربهم من النهر. ذكر من قال ذلك:
4471 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي بذلك وهو قول ابن عباس. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه آنفا.
4472 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج: قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله الذين اغترفوا وأطاعوا الذين مضوا مع طالوت المؤمنون، وجلس الذين شكوا.
وقال آخرون: كلا الفريقين كان أهل إيمان، ولم يكن منهم أحد شرب من الماء إلا غرفة، بل كانوا جميعا أهل طاعة، ولكن بعضهم كان أصح يقينا من بعض، وهم الذين أخبر الله عنهم أنهم قالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والآخرون كانوا أضعف يقينا، وهم الذين قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده. ذكر من قال ذلك:
4473 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ويكون المؤمنون بعضهم أفضل جدا وعزما من بعض، وهم مؤمنون كلهم.