وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بالمتكلم به إلى الاستشهاد على صحته لفشو ذلك على ألسن العرب. وتثبت أن فيه أخرى، توجيها لقولها ما لك إلى معناه، إذ كان معناه:
ما منعك، كما قال تعالى ذكره: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ثم قال في سورة أخرى في نظيره: ما لك ألا تكون مع الساجدين فوضع ما منعك موضع ما لك، وما لك موضع ما منعك لاتفاق معنييهما وإن اختلفت ألفاظهما، كما تفعل العرب ذلك في نظائره مما تتفق معانيه وتختلف ألفاظه، كما قال الشاعر:
يقول إذا اقلولى عليها وأقردت * ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم فأدخل في دائم الباء مع هل وهي استفهام، وإنما تدخل في خبر ما التي في معنى الجحد لتقارب معنى الاستفهام والجحد.
وكان بعض أهل العربية يقول: أدخلت أن في: ألا تقاتلوا لأنه بمعنى قول القائل: ما لك في ألا تقاتل؟ ولو كان ذلك جائزا لجاز أن يقال: ما لك أن قمت؟ وما لك أنك قائم؟ وذلك غير جائز لان المنع إنما يكون للمستقبل من الأفعال، كما يقال: منعتك أن تقوم، ولا يقال: منعتك أن قمت فلذلك قيل في ما لك: ما لك ألا تقوم، ولم يقل: ما لك أن قمت.
وقال آخرون منهم: أن ههنا زائدة بعد ما فلما ولما ولو وهي تزاد في هذا المعنى كثيرا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله فأعمل أن وهي زائدة وقال الفرزدق:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب * لها إذن للأم ذوو أحسابها عمرا