فكان فعله ذلك إذا فعله ابتغاء مرضاة الله، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه، معلوما به، إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه، أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارا، ولما نهاه أشد تجنبا، وذلك هو قربه من التقوى.
القول في تأويل قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم).
يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيها الناس الاخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضل الرجل المطلق زوجته قبل مسيسها، فيكمل لها تمام صداقها إن كان لم يعطها جميعه وإن كان قد ساق إليها جميع ما كان فرض لها، فليتفضل عليها بالعفو عما يجب له، ويجوز له الرجوع به عليها، وذلك نصفه. فإن شح الرجل بذلك، وأبى إلا الرجوع بنصفه عليها، فلتتفضل المرأة المطلقة عليه برد جميعه عليه إن كانت قد قبضته منه، وإن لم تكن قبضته فتعفو عن جميعه، فإن هما لم يفعلا ذلك وشحا وتركا ما ندبهما الله إليه من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل، فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النكاح، وله نصفه.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
4199 - حدثنا أحمد بن حازم، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص، فعرض عليه ابنة له فتزوجها، فلما خرج طلقها، وبعث إليها بالصداق. قال: قيل له: فلم تزوجتها؟
قال: عرضها علي، فكرهت ردها. قيل: فلم تبعث بالصداق؟ قال: فأين الفضل ؟
4200 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ورقأ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: إتمام الزوج الصداق، أو ترك المرأة الشطر.
* - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: إتمام الصداق، أو ترك المرأة شطره.
* - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
4201 - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: (ولا تنسوا الفضل بينكم) في هذا وفي غيره.
4202 - حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (ولا تنسوا الفضل بينكم) قال: يقول ليتعاطفا.