القول في تأويل قوله تعالى: (وأن تعفوا أقرب للتقوى).
اختلف أهل التأويل فيمن خوطب بقوله: (وأن تعفوا أقرب للتقوى)، فقال بعضهم: خوطب بذلك الرجال والنساء. ذكر من قال ذلك:
4196 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو.
4197 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: سمعت تفسير هذه الآية: (وأن تعفوا أقرب للتقوى) قال: يعفون جميعا.
فتأويل الآية على هذا القول: وأن تعفوا أيها الناس بعضكم عما وجب له قبل صاحبه من الصداق قبل الافتراق عند الطلاق، أقرب له إلى تقوى الله.
وقال آخرون: بل الذي خوطبوا بذلك أزواج المطلقات. ذكر من قال ذلك:
4198 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي: (وأن تعفوا أقرب للتقوى): وأن يعفو هو أقرب للتقوى.
فتأويل ذلك على هذا القول: وأن تعفوا أيها المفارقون أزواجهم، فتتركوا لهن ما وجب لحم الرجوع به عليهن من الصداق الذي سقتموه إليهن، أو... (1) لهن، بإعطائكم إياهن الصداق الذي كنتم سميتم لهن في عقدة النكاح، إن لم تكونوا سقتموه إليهن، أقرب لكم إلى تقوى الله.
والذي هو أولى القولين بتأويل الآية عندي في ذلك: ما قاله ابن عباس، وهو أن معنى ذلك: وأن يعفو بعضكم لبعض أيها الأزواج والزوجات بعد فراق بعضكم بعضا عما وجب لبعضكم قبل بعض، فيتركه له إن كان قد بقي له قبله، وإن لم يكن بقي له، فبأن يوفيه بتمامه أقرب لكم إلى تقوى الله.
فإن قال قائل: وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله، فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه: فعلك ما فعلت أقرب لك إلى تقوى الله؟ قيل له: الذي في ذلك من قربه من تقوى الله مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه، ودعاه وحضه عليه،