بمعنى: فأحلامهم غير عوازب. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
فتأويل الكلام: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج الذي بيده عقدة نكاح نفسه في كل حال، قبل الطلاق وبعده، لان معناه: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن. فيكون تأويل الكلام ما ظنه القائلون أنه الولي: ولي المرأة، لا أن ولي المرأة لا يملك عقدة نكاح المرأة بغير إذنها إلا في حال طفولتها، وتلك حال لا يملك العقد عليها إلا بعض أوليائها في قول أكثر من رأى أن الذي بيده عقدة النكاح الولي، ولم يخصص الله تعالى ذكره بقوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) بعضا منهم، فيجوز توجيه التأويل إلى ما تأولوه، لو كان لما قالوا في ذلك وجه.
وبعد، فإن الله تعالى ذكره إنما كنى بقوله: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أو يعفون) عن ذكر النساء اللاتي قد جرى ذكرهن في الآية قبلها، وذلك قوله: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن) والصبايا لا يسمين نسأ. وانما يسمين صبايا أو جواري، وإنما النساء في كلام العرب: جمع اسم المرأة، ولا تقول العرب للطفلة والصبية والصغيرة امرأة، كما لا تقول للصبي الصغير رجل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) عند الزاعمين أنه الولي، إنما هو: (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) عما وجب لوليته التي تستحق أن يولي عليها مالها، إما لصغر، وإما لسفه، والله تعالى ذكره إنما اختص في الآيتين قصص النساء المطلقات، لعموم الذكر دون خصوصه، وجعل لهن العفو بقوله: (إلا أن يعفون) كان معلوما (1) بقوله: (إلا أن يعفون) أن المعنيات منهن بالآيتين اللتين ذكرهن فيهما جميعهن دون بعض، إذ كان معلوما أن عفو من تولى عليه ماله منهن باطل. وإذ كان ذلك كذلك، فبين أن التأويل في قوله: أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحهن، يوجب أن يكون لأولياء الثيبات الرشد البوالغ من العفو عما وهب لهن من الصداق بالطلاق قبل المسيس، مثل الذي لأولياء الأطفال الصغار المولى عليهن أموالهن السفه. وفي إنكار القائلين إن الذي بيده عقدة النكاح الولي، عفو أولياء الثيبات الرشد البوالغ على ما وصفنا، وتفريقهم بين أحكامهن وأحكام أولياء الاخر، ما أبان عن فساد تأويلهم الذي تأولوه في ذلك. ويسأل القائلون بقولهم في ذلك الفرق بين ذلك من أصل أو نظير، فلن يقولوا في شئ من ذلك قولا إلا ألزموا في خلافه مثله.