المراد لكانت القراءة نصبا، وكان معناه حينئذ وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنه قرئ رفعا لما وصفت من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم خالطوهم أو لم يخالطوهم.
وأما قوله: فرجالا أو ركبانا فنصب لأنهما حالان للفعل غير دائبين، ولا يصلح معهما هو، وذلك أنك لو أظهرت هو معهما لاستحال الكلام.
ألا ترى أنه لو قال قائل: إن خفت من عدوك أن تصلي قائما، فهو راجل أو راكب لبطل المعنى المراد بالكلام؟
وذلك أن تأويل الكلام: فإن خفتم أن تصلوا قياما من عدوكم، فصلوا رجالا أو ركبانا ولذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام كما تقول في نحوه من الكلام: إن لبست ثيابا فالبياض، فتنصبه لأنك تريد إن لبست ثيابا فالبس البياض، ولست تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض، ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت: إن لبست ثيابا فالبياض رفعا، إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس أن كل ما يلبس من الثياب فبياض، لأنك تريد حينئذ: إن لبست ثيابا فهي بياض.
فإن قال: فهل يجوز النصب في قوله: فإخوانكم؟ قيل: جائز في العربية، فأما في القراءة فإنما منعناه لاجماع القراء على رفعه. وأما في العربية فإنما أجزناه لأنه يحسن معه تكرير ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما: وإن تخالطوهم فإخوانكم تخالطون فيكون ذلك جائزا في كلام العرب.
القول في تأويل قوله تعالى: والله يعلم المفسد من المصلح.
يعني تعالى ذكره بذلك: إن ربكم وإن أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به، فاتقوا الله في أنفسكم أتخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل، وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم، وأكلها بغير حقها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قبل لكم بها، فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه، فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه ما الذي يقصد بمخالطته إياه إفساد ماله، وأكله بالباطل، أم إصلاحه وتثميره، لأنه لا يخفى عليه منه شئ، ويعلم أيكم المريد إصلاح ماله، من المريد إفساده. كما: