الذي دل على أن ذلك منسوخ؟ فإن زعم أنه يعني بقوله: إنه منسوخ أن اخراج العفو من المال غير لازم فرضا، وأن فرض ذلك ساقط بوجود الزكاة في المال قيل له: وما الدليل على أن اخراج العفو كان فرضا، فأسقطه فرض الزكاة؟ ولا دلالة في الآية على أن ذلك كان فرضا، إذ لم يكن أمر من الله عز ذكره، بل فيها الدلالة على أنها جواب ما سأل عنه القوم على وجه التعرف لما فيه لله الرضا من الصدقات، ولا سبيل لمدعي ذلك إلى دلالة توجب صحة ما ادعى.
وأما القراء فإنهم اختلفوا في قراءة العفو، فقرأته عامة قراء الحجاز وقراء الحرمين وعظم قراء الكوفيين: قل العفو نصبا، وقرأه بعض قراء البصريين: قل العفو رفعا.
فمن قرأه نصبا جعل ماذا حرفا واحدا، ونصبه بقوله: ينفقون على ما قد بينت قبل، ثم نصب العفو على ذلك فيكون معنى الكلام حينئذ: ويسألونك أي شئ ينفقون؟ ومن قرأه رفعا جعل ما من صلة ذا ورفعوا العفو فيكون معنى الكلام حينئذ: ما الذي ينفقون، قل الذي ينفقون العفو. ولو نصب العفو، ثم جعل ماذا حرفين بمعنى: يسألونك ماذا ينفقون؟ قل ينفقون العفو، ورفع الذين جعلوا ماذا حرفا واحدا بمعنى: ما ينفقون؟ قل الذي ينفقون خبرا كان صوابا صحيحا في العربية. وبأي القراءتين قرئ ذلك عندي صواب لتقارب معنييهما مع استفاضة القراءة بكل واحدة منهما. غير أن أعجب القراءتين إلي وإن كان الامر كذلك قراءة من قرأه بالنصب، لان من قرأ به من القراء أكثر وهو أعرف وأشهر.
القول في تأويل قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة.
يعني بقول عز ذكره: كذلك يبين الله لكم الآيات هكذا يبين أي كما بينت لكم أعلامي وحججي، وهي آياته في هذه السورة، وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي، ثم على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدى، فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد (ص) آياتي وحججي، وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي، فتجاوزوا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدار الآخرة، والفوز بنعيم الأبد