يعني به كثيرات الشحوم. ومن ذلك قيل للرجل: خذ ما عفا لك من فلان، يراد به:
ما فضل فصفا لك عن جهده بما لم تجهده. كان بينا أن الذي أذن الله به في قوله قل العفو لعباده من النفقة، فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه هو الذي بين لامته رسول الله (ص) بقوله: خير الصدقة ما أنفقت عن غنى وأذنهم به.
فإن قال لنا قائل: وما تنكر أن يكون ذلك العفو هو الصدقة المفروضة؟ قيل: أنكرنا ذلك لقيام الحجة على أن من حلت في ماله الزكاة المفروضة، فهلك جميع ماله إلا قدر الذي لزم ماله لأهل سهمان الصدقة، أن عليه أن يسلمه إليهم، إذا كان هلاك ماله بعد تفريطه في أداء الواجب كان لهم (في) ماله إليهم، وذلك لا شك أنه جهده إذا سلمه إليهم لا عفوه، وفي تسمية الله جل ثناؤه ما علم عباده وجه إنفاقهم من أموالهم عفوا، ما يبطل أن يكون مستحقا اسم جهد في حالة، وإذا كان ذلك كذلك فبين فساد قول من زعم أن معنى العفو هو ما أخرجه رب المال إلى إمامه، فأعطاه كائنا ما كان من قليل ماله وكثيره، وقول من زعم أنه الصدقة المفروضة.
وكذلك أيضا لا وجه لقول من يقول: إن معناه ما لم يتبين في أموالكم، لان النبي (ص) لما قال له أبو لبابة: إن من توبتي أن أنخلع إلى الله ورسوله من مالي صدقة، قال النبي (ص):
يكفيك من ذلك الثلث وكذلك روي عن كعب بن مالك أن النبي (ص) قال له نحوا من ذلك. والثلث لا شك أنه بين فقده من مال ذي المال، ولكنه عندي كما قال جل ثناؤه:
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وكما قال جل ثناؤه لمحمد (ص): ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا وذلك هو ما حده صلى الله عليه وسلم فيما دون ذلك على قدر المال واحتماله.