ثم اختلف أهل العلم في هذه الآية: هل هي منسوخة، أم ثابتة الحكم على العباد؟
فقال بعضهم: هي منسوخة نسختها الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك:
3334 - حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: كان هذا قبل أن تفرض الصدقة.
3335 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة، ثم قال: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة.
3336 - حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو هذه نسختها الزكاة.
وقال آخرون: بل مثبتة الحكم غير منسوخة. ذكر من قال ذلك:
3337 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن قيس بن سعد أو عيسى، عن قيس، عن مجاهد شك أبو عاصم، قال قال:
العفو: الصدقة المفروضة.
والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه عطية من أن قوله:
قل العفو ليس بإيجاب فرض فرض من الله حقا في ماله، ولكنه إعلام منه ما يرضيه من النفقة مما يسخطه جوابا منه لمن سأل نبيه محمدا (ص) عما فيه له رضا، فهو أدب من الله لجميع خلقه على ما أدبهم به في الصدقة غير المفروضات ثابت الحكم غير ناسخ لحكم كان قبله بخلافه، ولا منسوخ بحكم حدث بعده، فلا ينبغي لذي ورع ودين أن يتجاوز في صدقات التطوع وهباته وعطايا النفل وصدقته ما أدبهم به نبيه (ص) بقوله: إذا كان عند أحدكم فضل فليبدأ بنفسه، ثم بأهله، ثم بولده ثم يسلك حينئذ في الفضل مسالكه التي ترضي الله ويحبها. وذلك هو القوام بين الاسراف والاقتار الذي ذكره الله عز وجل في كتابه إن شاء الله تعالى. ويقال لمن زعم أن ذلك منسوخ: ما الدلالة على نسخه؟ وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أن للرجل أن ينفق من ماله صدقة وهبة ووصية الثلث، فما