الأحوال إذا دعوه إلى الصلح ابتداء المصالحة، فقال له جل ثناؤه: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها فأما دعاؤهم إلى الصلح ابتداء فغير موجود في القرآن، فيجوز توجيه قوله ادخلوا في السلم إلى ذلك.
فإن قال لنا قائل: فأي هذين الفريقين دعى إلى الاسلام كافة؟ قيل قد اختلف في تأويل ذلك، فقال بعضهم: دعى إليه المؤمنون بمحمد (ص)، وما جاء به.
وقال آخرون: قيل: دعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد (ص) من الأنبياء المكذبون بمحمد.
فإن قال: فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الاسلام؟ قيل: وجه دعائه إلى ذلك الامر له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله كافة من صفة السلم، ويكون تأويله:
ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئا منه يا أهل الايمان بمحمد وما جاء به. وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك.
3188 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: ادخلوا في السلم كافة قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وشعبة بن عمرو وقيس بن زيد، كلهم من يهود، قالوا:
يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل فنزلت: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان.
فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست من حكم الاسلام، والعمل بجميع شرائع الاسلام، والنهي عن تضييع شئ من حدوده.
وقال آخرون: بل الفريق الذي دعى إلى السلم فقيل لهم ادخلوا فيه بهذه الآية هم أهل الكتاب، أمروا بالدخول في الاسلام. ذكر من قال ذلك:
3189 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
قال ابن عباس في قوله: ادخلوا في السلم كافة يعني أهل الكتاب.