وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه. أو يكون إذ فسد هذا القول قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا. وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الاحرام ويوجبه على نفسه إذا كان من أهل التكليف ما ينبئ عن فساد هذا القول، وإذ فسد هذا الوجهان فبينة صحة الوجه الثالث، وهو أن الرجل قد يكون محرما بإيجابه الاحرام بعزمه على سبيل ما بينا، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه. وإذا صح ذلك صح ما قلنا من أن فرض الحج هو ما قرن إيجابه بالعزم على نحو ما بينا قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: فلا رفث.
اختلف أهل التأويل في معنى الرفث في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو الافحاش للمرأة في الكلام، وذلك بأن يقول: إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا لا يكني عنه، وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
2884 - حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس. قالا: ثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله: فلا رفث ولا فسوق قال: هو التعريض بذكر الجماع، وهي العرابة من كلام العرب، وهو أدنى الرفث.
2885 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس في قوله: فلا رفث قال: الرفث: العرابة والتعريض للنساء بالجماع.
2886 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عون، قال: ثنا زياد بن حصين، قال: ثني أبي حصين بن قيس، قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج، وكنت له خليلا، فلما كان بعدما أحرمنا قال ابن عباس، فأخذ بذنب بعيره، فجعل يلويه، وهو يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا * إن تصدق الطير ننك لميسا قال: فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء.