فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك، فليس من البر صومه، لان الله تعالى ذكره قد حرم على كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل، وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال لا بما نهى عنه .
وأما الاخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: (الصائم في السفر كالمفطر في الحضر) (1) فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه إن كان قبل ذلك، وغير جائز عليه أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك، لان الاخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانيد لا يجوز الاحتجاج بها في الدين .
فإن قال قائل: وكيف عطف على المريض وهو اسم بقوله: (أو على سفر) و ( على) صفة (2) لا اسم؟ قيل: جاز أن ينسق بعلى على المريض، لأنها في معنى الفعل ، وتأويل ذلك: أو مسافرا، كما قال تعالى ذكره: (دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) (3) فعطف بالقاعد والقائم على اللام التي في لجنبه، لان معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.
القول في تأويل قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
يعني تعلى ذكره ذلك: يريد الله بكم أيها المؤمنون بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الافطار، وقضاء عدة أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم التخفيف عليكم، والتسهيل عليكم لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال. (ولا يريد بكم العسر) يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم وثقل حمله عليكم لو حملكم صومه. كما:
2370 - حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) قال:
اليسر: الافطار في السفر، والعسر: الصيام في السفر.
2371 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن