صحيح الفطرة، فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية أن يضاف إليه إثباته إياه علما، وصح أن يدل بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك وإن كان في الرؤية لما وصفنا بجائز في العلم، فيدل بذكر الخبر عن العلم على الرؤية لان المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها، ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه، كما قد قدمنا البيان، مع أنه غير موجود في شئ من كلام العرب أن يقال: علمت كذا بمعنى رأيته، وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد (ص) من الكلام إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب دون ما لم يكن موجودا في كلامها، فموجود في كلامها رأيت بمعنى علمت، وغير موجود في كلامها علمت بمعنى رأيت، فيجوز توجيه إلا لنعلم إلى معنى: إلا لنرى.
وقال آخرون: إنما قيل: إلا لنعلم من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشئ قبل كونه، وقالوا إذ قيل لهم: إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم، إذا حولت قبلة محمد (ص إلى الكعبة: ذلك غير كائن، أو قالوا: ذلك باطل. فلما فعل الله ذلك، وحول القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال الله جل ثناؤه: ما فعلت إلا لنعلم ما عندكم أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه، أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد.
فكأن معنى قائل هذا القول في تأويل قوله: إلا لنعلم إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. وهذا وإن كان وجها له مخرج، فبعيد من المفهوم.
وقال آخرون: إنما قيل: إلا لنعلم وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه الترفق بعباده، واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جل ثناؤه: قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وقد عله أنه على هدى وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على هدى، وأنتم على ضلال. فكذلك قوله: إلا لنعلم معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم كنتم جهالا به قبل أن يكون فأضاف العلم إلى نفسه رفقا بخطابهم. وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق.
وأما قوله: من يتبع الرسول فإنه يعني: الذي يتبع محمدا (ص) فيما يأمره الله به، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد (ص).