وقالوا: ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا، ومرة إلى ههنا؟ وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم المسلمين، وهم يصلون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت.
وقال المشركون: تحير محمد (ص) في دينه. فكان ذلك فتنة للناس وتمحيصا للمؤمنين، فلذلك قال جل ثناؤه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه أي: وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جل ثناؤه: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك. وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أرى لم يكن فيه على أحد فتنة، وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة.
ذكر الاخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا:
1820 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قال: كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله (ص)، وصلى نبي الله (ص) بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده قال الله عز وجل: قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال أناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله عز وجل: وما كان الله ليضيع إيمانكم وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره الامر بعد الامر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. وكل ذلك مقبول إذا كان في إيمان بالله، وإخلاص له، وتسليم لقضائه.
1821 - حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان النبي (ص) يصلي قبل بيت المقدس، فنسختها الكعبة. فلما وجه قبل المسجد الحرام، اختلف الناس فيها، فكانوا أصنافا فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس، هل تقبل الله منا ومنهم أو لا؟ وقالت اليهود: إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر. وقال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم