وأما الخبر الذي روي عن النبي (ص) فإنه إن كان صحيحا، فإنما معناه أنه وضع عن الحامل والمرضع الصوم ما دامتا عاجزتين عنه حتى تطيقا فتقضيا، كما وضع عن المسافر في سفره حتى يقيم فيقضيه، لا أنهما أمرتا بالفدية والافطار بغير وجوب قضاء، ولو كان في قول النبي (ص): إن الله وضع عن المسافر والمرضع والحامل الصوم دلالة على أنه (ص) إنما عنى أن الله تعالى ذكره وضع عنهم بقوله: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين لوجب أن لا يكون على المسافر إذا أفطر في سفره قضاء، وأن لا يلزمه بإفطاره ذلك إلا الفدية لان النبي (ص) قد جمع بين حكمه وبين حكم الحامل والمرضع وذلك قول إن قاله قائل خلاف لظاهر كتاب الله ولما أجمع عليه جميع أهل الاسلام.
وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: وعلى الذين يطيقونه وعلى الذين يطيقون الطعام، وذلك لتأويل أهل العلم مخالف.
وأما قراءة من قرأ ذلك: وعلى الذين يطوقونه فقراءة لمصاحف أهل الاسلام خلاف، وغير جائز لاحد من أهل الاسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم (ص) نقلا ظاهرا قاطعا للعذر، لان ما جاءت به الحجة من الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله، ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة.
وأما معنى الفدية فإنه الجزاء من قولك: فديت هذا بهذا: أي جزيته به، وأعطيته بدلا منه.
ومعنى الكلام: وعلى الذين يطيقون الصيام جزاء طعام مسكين لكل يوم أفطره من أيام صيامه الذي كتب عليه.
وأما قوله: فدية طعام مسكين فإن القراء مختلفة في قراءته، فبعض يقرأ بإضافة الفدية إلى الطعام، وخفض الطعام وذلك قراءة معظم قراء أهل المدينة بمعنى: وعلى الذين يطيقونه أن يفدوه طعام مسكين فلما جعل مكان أن يفديه الفدية أضيف إلى الطعام، كما يقال: لزمني غرامة درهم لك بمعنى لزمني أن أغرم لك درهما، وآخرون يقرءونه بتنوين الفدية ورفع الطعام بمعنى الإبانة في الطعام عن معنى الفدية الواجبة على من أفطر في صومه الواجب، كما يقال لزمني غرامة درهم لك، فتبين بالدرهم عن معنى الغرامة ما هي وما حدها، وذلك قراءة عظم قراء أهل العراق.