طعام مسكين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الجميع من أهل الاسلام مجمعين على أن من كان مطيقا من الرجال الأصحاء المقيمين غير المسافرين صوم شهر رمضان فغير جائز له الافطار فيه والافتداء منه بطعام مسكين، كان معلوما أن الآية منسوخة. هذا مع ما يؤيد هذا القول من الاخبار التي ذكرناها آنفا عن معاذ بن جبل وابن عمر وسلمة بن الأكوع، من أنهم كانوا بعد نزول هذه الآية على عهد رسول الله (ص) في صوم شهر رمضان بالخيار بين صومه وسقوط الفدية عنهم، وبين الافطار والافتداء من إفطاره بإطعام مسكين لكل يوم، وأنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت: فمن شهد منكم الشهر فليصمه فألزموا فرض صومه، وبطل الخيار والفدية.
فإن قال قائل: وكيف تدعي إجماعا من أهل الاسلام على أن من أطاق صومه وهو بالصفة التي وصفت فغير جائز له إلا صومه، وقد علمت قول من قال الحامل والمرضع إذا خافتا على أولادهما لهما الافطار، وإن أطاقتا الصوم بأبدانهما، مع الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله (ص) الذي:
2291 - حدثنا به هناد بن السري، قال: ثنا قبيصة، عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: أتيت رسول الله (ص) وهو يتغدى فقال: تعال أحدثك، إن الله وضع عن المسافر والحامل والمرضع الصوم وشطر الصلاة.
قيل: إنا لم ندع إجماعا في الحامل والمرضع، وإنما ادعينا في الرجال الذين وصفنا صفتهم. فأما الحامل والمرضع فإنما علمنا أنهن غير معنيات بقوله: وعلى الذين يطيقونه وخلا الرجال أن يكونوا معنيين به لأنهن لو كن معنيات بذلك دون غيرهن من الرجال لقيل: وعلى اللواتي يطقنه فدية طعام مسكين لان ذلك كلام العرب إذا أفرد الكلام بالخبر عنهن دون الرجال فلما قيل: وعلى الذين يطيقونه كان معلوما أن المعني به الرجال دون النساء، أو الرجال والنساء. فلما صح بإجماع الجميع على أن من أطاق من الرجال المقيمين الأصحاء صوم شهر رمضان فغير مرخص له في الافطار والافتداء، فخرج الرجال من أن يكونوا معنيين بالآية، وعلم أن النساء لم يردن بها لما وصفنا من أن الخبر عن النساء إذا انفرد الكلام بالخبر عنهن وعلى اللواتي يطقنه، والتنزيل بغير ذلك.