تصرفها لا صفة تصريفها، لان تصريفها تصريف الله لها، وتصرفها اختلاف هبوبها. وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وتصريف الرياح تصريف الله تعالى ذكره هبوب الرياح باختلاف مهابها.
القول في تأويل قوله تعالى: والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون.
يعني تعالى ذكره بقوله والسحاب المسخر وفي السحاب جمع سحابة، يدل على ذلك قوله تعالى ذكره: وينشئ السحاب الثقال فوحد المسخر وذكره، كما قال:
هذه تمر وهذا تمر كثير في جمعه، وهذه نخلة وهذا نخل. وإنما قيل للسحاب سحاب إن شاء الله لجر بعضه بعضا وسحبه إياه، من قول القائل: مر فلان يجر ذيله: يعني يسحبه.
فأما معنى قوله: لآيات فإنه علامات ودلالات على أن خالق ذلك كله ومنشئه إله واحد، لقوم يعقلون لمن عقل مواضع الحجج وفهم عن الله أدلته على وحدانيته.
فأعلم تعالى ذكره عباده بأن الأدلة والحجج إنما وضعت معتبرا لذوي العقول والتمييز دون غيرهم من الخلق، إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي، والمكلفين بالطاعة والعبادة، ولهم الثواب وعليهم العقاب.
فإن قال قائل: وكيف احتج على أهل الكفر بقوله: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار الآية في توحيد الله، وقد علمت أن أصنافا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السماوات والأرض وسائر ما ذكر في هذه الآية مخلوقة؟ قيل: إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالى ذكره في هذه الآية دليلا على خالقه وصانعه، وأن له مدبرا لا يشبهه (شئ)، وبارئا لا مثل له. وذلك وإن كان كذلك، فإن الله إنما حاج بذلك قوما كانوا مقرين بأن الله خالقهم، غير أنهم يشركون في عبادته عبادة الأصنام والأوثان فحاجهم تعالى ذكره فقال إذ أنكروا قوله: وإلهكم إله واحد وزعموا أن له شركاء من الآلهة: إن إلهكم الذي خلق السماوات، وأجرى فيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبين في سيرهما، وذلك هو معنى اختلاف الليل والنهار في الشمس والقمر، وذلك هو معنى قوله: والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وأنزل إليكم الغيث