مورد البحث لتدعو الناس إلى العمل للحصول على موقع في الدار الآخرة، ذلك الموقع المتسم بالثبات والبقاء والخلود، وتدعوهم إلى السباق في هذا المجال وبذل الجهد فيه، حيث يقول سبحانه: سابقوا إلى مغفرة من ربكم، جنة عرضها عرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله.
وفي الحقيقة أن مغفرة الله هي مفتاح الجنة، تلك الجنة التي عرضها السماوات والأرض وقد أعدت من الآن لضيافة المؤمنين، حتى لا يقول أحد إن الجنة نسيئة ودين ولا أمل في النسيئة، فعلى فرض أنها نسيئة فإنها أقوى من كل نقد، لأنها ضمن وعد الله القادر على كل شئ وأصدق من كل وعد، فكيف الحال وهي موجودة الآن وبصورة نقد؟!
وقد ورد نفس هذا المعنى في سورة آل عمران (الآية رقم 133) مع اختلاف بسيط، حيث إن في الآية مورد البحث جاءت كلمة (سابقوا) من مادة (المسابقة) وهنالك وردت كلمة (سارعوا) من مادة (المسارعة)، وكلاهما قريب من الآخر بالنظر إلى مفهوم باب " المفاعلة " حيث تتجسد غلبة شخصين أحدهما على الآخر.
والاختلاف الآخر هو أنها هنالك قد جاءت بوصف: عرضها السماوات والأرض وهنا جاءت: عرضها كعرض السماء والأرض وإذا دققنا قليلا يتضح أن هذين التعبيرين يوضحان حقيقة واحدة أيضا.
ويقول سبحانه هناك: أعدت للمتقين وهنا يقول: أعدت للذين آمنوا.
ولأن المتقين ثمرة شجرة الإيمان الحقيقي، فإن هذين التعبيرين في الواقع كل منها لازم وملزوم للآخر.
وبهذه الصورة فإن الاثنين يتحدثان عن حقيقة واحدة ببيانين مختلفين، ولهذا فما ذكره البعض من أن الآية (سورة آل عمران تشير إلى " جنة المقربين "، وآية مورد البحث تشير إلى " جنة المؤمنين "، صحيح حسب الظاهر.