الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٨ - الصفحة ٥٠١
التعبير ب‍ (الصافات ويقبضن) لعله إشارة إلى طيور مختلفة أو لحالات متنوعة من الطيران (1).
ولقد بحثنا بشكل تفصيلي عجائب عالم الطيور وغرائب مسألة الطيران في تفسير الآية (79) من سورة النحل.
ثم يشير تعالى في الآية اللاحقة إلى أن الكافرين ليس لهم أي عون أو مدد مقابل قدرة الله عز وجل حيث يقول: أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن (2).
إن هؤلاء الذين هم (جند لكم) ليسوا عاجزين عن مساعدتكم ونصرتكم فحسب، بل إذا شاء الرحمن جعلها سبب عذابكم ودماركم، وحتى هذه النعم المسخرة لسعادتكم كالماء والهواء والتراب والنار والتي تمثل ركنا أساسيا من أركان حياتكم لا يمكنها أن تنقذكم من البلاء، بل إنها نفسها إذا امرت فإنها ستكون موضع عذابكم وموتكم ونقمة عليكم.
نعم لقد كانت هذه النعم سببا لهلاك ودمار كثير من الأقوام العاصين ويحدثنا التاريخ أن الكثير من الجبابرة والطغاة والمتمردين على أوامر الله كان هلاكهم على يد أقرب الناس إليهم، وهذا ما يلاحظ كذلك في عصرنا أيضا، حيث أن أكثر المجاميع وفاء للسلطة تثور ضدهم وينتقم الله من هؤلاء الظالمين بالظالمين الذين كانوا عونا لهم.
ألا إن الكافرون إلا في غرور فلقد أعمت عقولهم حجب الجهل والغرور، ولا يعتبرون أو يتعظون بما حصل للأقوام البائدة السابقة، ولا لما يصيب

١ - سبب ذكر (الصافات) بصورة صفة و (يقبضن) بصورة فعل مضارع، لأن انفتاح أجنحة الطيور برنامج على نمط واحد ولا يحصل فيه تغيير، في الوقت الذي نلاحظ فيه أن انفتاح وانقباض الأجنحة يكون عملا مكررا (فتأمل).
٢ - (أم) في هذه الجملة حرف عطف، و (من) مبتدأ و (هذا) مبتدأ (ثان) و (الذي) خبرها و (هو جند لكم) صلتها، و (ينصركم) يكون وصفا لل‍ (جند)، والجملة هي خبر للمبتدأ الأول. (البيان في غريب إعراب القرآن ج 2 ص 459) إلا أن المناسب هو أن يكون (الذي) عطف بيان و (ينصركم) خبر، لأن الجملة بدونه ناقصة. (فتأمل).
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»
الفهرست