أجزاء المكان، وبعبارة أخرى يقال: (بواء) لترتيب وتسوية مكان (ما)، هذا التعبير كناية لطيفة لهذا المعنى، وهو أن طائفة الأنصار - أهل المدينة - قد هيأوا الأرضية المناسبة للهجرة، وكما يخبرنا التاريخ فإن الأنصار قدموا مرتين إلى " العقبة " - وهي مضيق قرب مكة - وبايعوا رسول الله متنكرين، ورجعوا إلى المدينة مبلغين، ومعهم " مصعب بن عمير " ليعلمهم أمور دينهم وليهئ الأرضية المناسبة لهجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبناء على هذا فإن الأنصار لم يهيؤوا بيوتهم لاستقبال المهاجرين فحسب، بل إنهم فتحوا قلوبهم ونفوسهم وأجواء مجتمعهم قدر المستطاع للتكيف في التعامل مع وضع الهجرة المرتقب.
والتعبير من قبلهم يوضح لنا أن كل تلك الأمور كانت قبل هجرة مسلمي مكة، وهذا أمر مهم.
وانسجاما مع هذا التفسير، فإن أنصار المدينة كانوا مستحقين لهذه الأموال، وهذا لا يتنافى مع ما نقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أعطى شخصين أو ثلاثة أشخاص من الأنصار - فقط - من أموال بني النضير، إذ من الممكن أن لا يكون بين الأنصار أشخاص فقراء ومساكين غير هؤلاء، بعكس المهاجرين فإنهم إن لم يكونوا مصداقا للفقير، فيمكن اعتبارهم مصداقا لأبناء السبيل (1).
ثم يتطرق سبحانه إلى بيان ثلاث صفات أخرى توضح روحية الأنصار بصورة عامة، حيث يقول تعالى: يحبون من هاجر إليهم.
فلا فرق بين المسلمين في وجهة نظرهم والمهم لديهم هو مسألة الإيمان والهجرة وهذا الحب كان يعتبر خصوصية مستمرة لهم.
والأمر الآخر: ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا فهم لا يطمعون