ولما بين الله حكم المحارب على ما فصلناه استثنى من جملتهم من يتوب مما ارتكبه قبل أن يؤخذ ويقدر عليه، لان توبته بعد حصوله (1) في قبضة الامام وقيام البينة عليه بذلك لا تنفعه ووجب عليه إقامة الحد.
واختلفوا فيمن تدرأ عنه التوبة الحدود، هل هو المشرك أو من كان مسلما من أهل الصلاة:
قال الحسن: هو المشرك دون من كان مسلما، فأما من أسلم فإنه لم يؤاخذ بما جناه الا أن يكون معه عين مال من أخذ منه قائمة، فإنه يجب عليه ردها وما عداه يسقط.
أما علي عليه السلام فإنه حكم بذلك فيمن كان مسلما وهو حارثة بن زيد، لأنه كان خرج محاربا ثم تاب فقبل أمير المؤمنين توبته.
وقال الشافعي: يضع بتوبته حد الله عنه الذي وجب عليه لمحاربته ولا يسقط عنه حقوق بني آدم. وهو مذهبنا. فعلى هذا ان أسقط الادمي حق نفسه ويكون ظهرت منه التوبة [قبل ذلك فلا يقام عليه الحدود وان لم يكن ظهرت منه التوبة] (2) أقيم عليه الحد لأنه محارب فيتحتم عليه الحد، وهو قول أبى علي أيضا. ولا خلاف أنه إذا أصيب المال بعينه في يده أنه يرد إلى أهله.
فأما المشرك المحارب فمتى أسلم وتاب سقطت عنه الحدود، سواء كان ذلك منه قبل القدرة عليه أو بعدها بلا خلاف.
فأما السارق إذا قدر عليه بعد التوبة وتكون التوبة منه بعد إقامة البينة فإنه لا يسقط عنه الحد، وإن كان قبل قيام البينة أسقطت عنه. وقال لا تسقط التوبة عن السارق الحد، ولم يفعل وادعى في ذلك الاجماع.