وانما حذف للايذان أن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليهم، وليبصرهم أن العبد يسؤه ما يجري عليه من المصائب ولا يشعر أن لله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه.
(ويتخذ منكم شهداء) أي وليكرم ناسا منهم بالشهادة، يريد المستشهدين يوم أحد وليصفيهم من الذنوب.
(ويهلك الكافرين) يعني ان كانت الدولة على المؤمنين فللاستشهاد والتمحيص وغير ذلك مما هو أصلح لهم، وان كانت على الكفار فلمحقهم ومحو آثارهم.
(فصل) ثم قال تعالى ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ (1).
أم منقطعة، ومعنى الهمزة فيها للانكار، ومعنى (لما يعلم الله) أي لما تجاهدوا، لان العلم يتعلق بالمعلوم، فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه، لأنه منتف بانتفائه. يقول القائل (ما علم الله في فلان خيرا) يريد ما فيه خير حتى يعلم.
ثم خاطب الذين لم يشهدوا بدرا فقال (ولقد كنتم تمنون الموت) فكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدا مع النبي عليه السلام ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر، وهم ألحوا على رسول الله في الخروج إلى المشركين، وكان رأيه في الإقامة بالمدينة للوحي به. يعنى وكنتم تتمنون الموت قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حتى قتل من قتل من اخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا. وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت، وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله بالحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه وقلة ثباتهم عنده.