تكون فتنة ويكون الدين كله لله) (١) فأي اكراه أعظم من أن يؤمر بالقتال حتى يسلم؟.
قلنا: لكل واحد من الآيتين وجها حسنا ومعنى لا يناقض معنى الاخر، فان معنى قوله (لا اكراه في الدين) أي لم يجز الله أمر الايمان على القسر والاجبار ولكن على التمكن والاختيار، ونحوه قوله تعالى ﴿ولو شاء ربك لامن من في الأرض جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾ (٢). وهذه المشية أيضا مشية القسر والالجاء. وحرف الاستفهام انما أورده اعلاما بأن الاكراه ممكن، وانما الشأن في المكره من هو وما هو الا هو تعالى وحده لأنه هو القادر على أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الايمان.
وأما قوله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أي شرك، ويكون الدين لله خالصا أمر تعالى لعزة الاسلام باذلال أهل الكفر حتى تجري الشريعة على ما يرضاها الله ظاهرة وأفعال الجوارح لا مدخل لها في أن تكون من حدود الدين والايمان، وانما هي رتبة وحلية للمؤمن المتدين على أن الكفار لا يرضون رأسا برأس، فإنهم لما عجزوا عن الغلبة بالحجة طلبوا بوار الاسلام والمسلمين بالقهر والغلبة بالقوة، فأمر الله بمجاهدتهم ليذعنوا للاسلام ﴿فان انتهوا فلا عدوان الا على القوم الظالمين﴾ (٣).
والمعنى ان امتنعوا من الكفر وانقادوا فلا قتل الا على الكافرين المقيمين على الكفر.
وسمي القتل عدوانا مجازا من حيث كان عقوبة على العدوان والظلم، وسمي جزاء الظالمين ظلما للمشاكلة، أي ان تعرضتم لهم بعد الانتهاء كنتم ظالمين فيسلط عليكم من يعدو عليكم، وقال في موضع آخر ﴿ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ (4).