فان قيل: ثم للترتيب متراخيا، فما معنى الترتيب بين قوله (واذكروا الله عند المشعر الحرام) وبين قوله (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس)، ولا خلاف أن الوقوف بعرفات مقدم على الوقوف بالمشعر.
قلنا: هذا يوجب الترتيب في الاخبار بهما لا بالعمل فيهما، ونحوه قوله تعالى ﴿ثم كان من الذين آمنوا﴾ (1) بعد قوله (أو اطعام في يوم ذي مسغبة) (2)، ولا خلاف ان الايمان يجب أن يكون قبل الاطعام.
وقد روى أصحابنا أن ههنا تقديما وتأخيرا، وتقديره، ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله ان الله غفور رحيم (3).
وأجاب المتأولون بأن قالوا: رتبت الإفاضة بعد المعنى الذي دل الكلام الأول عليه، كأنه قيل احرموا بالحج على ما بين لكم ثم أفيضوا يا معشر قريش من حيث أفاض الناس بعد الوقوف بعرفة.
وهذا قريب مما قلناه، وانما عدل من تأوله على الإفاضة من مزدلفة لأنه رآه بعد قوله (فإذا أفضتم من عرفات) قال: فأمروا ان يفيضوا من المزدلفة يوم الوقوف بها كما أمروا بعرفة. وما قدمناه هو التأويل المختار.
فإذا أصبح يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء بالمشعر إلى طلوع الشمس، ثم يفيض إلى منى لأداء المناسك بها كما بينها رسول الله، لقوله (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس).