ولما فصل سبحانه ذكر النبيين، ووصف كلا منهم بصفة تخصه، جمعهم في المدح والثناء، فقال * (أولئك) * تقدم ذكرهم * (الذين أنعم الله عليهم) * بالنبوة. وقيل:
بالثواب، وبسائر النعم الدينية، والدنيوية * (من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل) * إنما فرق سبحانه ذكر نسبهم، مع أن كلهم كانوا من ذرية آدم عليه السلام، لتبيان مراتبهم في شرف النسب، فكا لإدريس شرف القرب لآدم، لأنه جد نوح عليه السلام. وكان إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح، لأنه من ولد سام بن نوح. وكان إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، من ذرية إبراهيم لما تباعدوا من آدم، حصل لهم شرف إبراهيم. وكان موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، من ذرية إسرائيل.
* (وممن هدينا واجتبينا) * قيل: إنه تم الكلام عند قوله إسرائيل: ثم ابتدأ فقال: * (وممن هدينا واجتبينا) * من الأمم قوم * (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) * فحذف لدلالة الكلام عليه، عن أبي مسلم. وروي عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: نحن عنينا بها. وقيل: بل المراد به الأنبياء الذين تقدم ذكرهم من ذرية آدم، و ممن هديناهم، واجتبيناهم أي: هديناهم إلى الحق فاهتدوا، واخترناهم من بين الخلق. ثم وصفهم فقال * (إذا تتلى عليهم) * أي: تقرأ عليهم * (آيات الرحمن) * وهو القرآن، عن ابن عباس، * (خروا سجدا) * أي:
ساجدين لله * (وبكيا) * أي: باكين متضرعين إليه. بين الله سبحانه أنهم مع جلالة قدرهم، كانوا يبكون عند ذكر آيات الله، وهؤلاء العصاة ساهون لاهون، مع إحاطة السيئات بهم.
ثم أخبر سبحانه، فقال: * (فخلف من بعدهم خلف) * والخلف: البدل السئ، معناه: من بعد النبيين المذكورين قوم سوء. وقيل: هم اليهود ومن تبعهم، لأنهم من ولد إسرائيل، وقيل: هم من هذه الأمة عند قيام الساعة، عن مجاهد، وقتادة. * (أضاعوا الصلاة) * تركوها، عن محمد بن كعب. وقيل:
أضاعوها بتأخيرها. عن مواقيتها، من غير أن تركوها أصلا، عن ابن مسعود، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، والضحاك، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
* (واتبعوا الشهوات) * أي: أنفذوا الشهوات فيما حرم الله عليهم. فقال وهب:
فخلف من بعدهم خلف شرابون للقهوات، لعابون بالكعبات، ركابون للشوات،