المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم عليه السلام، فقال: * (واذكر) * يا محمد * (في الكتاب) * أي: القرآن * (إبراهيم إنه كان صديقا) * أي: كثير التصديق في أمور الدين، عن الجبائي. وقيل: صادقا مبالغا في الصدق فيما يخبر عن الله تعالى، عن أبي مسلم * (نبيا) * أي: عليا رفيع الشأن برسالة الله تعالى * (إذ قال لأبيه) * آزر * (يا أبت) * أي: يا أبي. ودخلت التاء للمبالغة في تحقيق الإضافة * (لم تعبد ما لا يسمع) * دعاء من يدعوه * (ولا يبصر) * من يتقرب إليه، ويعبده * (ولا يغني عنك شيئا) * من أمور الدنيا أي: لا يكفيك شيئا، فلا ينفعك، ولا يضرك. * (يا أبت إني قد جاءني من العلم) * بالله، والمعرفة. * (ما لم يأتك فاتبعني) * على ذلك، واقتد بي فيه * (أهدك صراطا سويا) * أي: أوضح لك طريقا، مستقيما، معتدلا، غير جائر بك عن الحق إلى الضلال * (يا أبت لا تعبد الشيطان) * أي: لا تطعه فيما يدعوك إليه، فتكون بمنزلة من عبده ولا شبهة أن الكافر لا يعبد الشيطان، ولكن من أطاع شيئا فقد عبده * (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) * أي: عاصيا * (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) * أي: يصبك عذاب من جهة الله سبحانه، لإصرارك على الكفر * (فتكون للشيطان وليا) * أي: فتكون موكولا إلى الشيطان، وهو لا يغني عنك شيئا، عن الجبائي. وقيل: معناه فتكون لاحقا بالشيطان باللعن والخذلان، واللاحق: يسمى التالي. والذي يتلو الشئ، والذي يليه، سواء، عن أبي مسلم. وقيل: فتكون له قرينا في النار. وقيل: معناه فيكون الشيطان ولي نصرتك، ولم يقل فيكون الشيطان وليك، لأنه أبلغ في الفضيحة، وإنما أراد زجره عن موالاة الشيطان، لا تحقيق النصرة، يعني: إذا لم يكن لك إلا نصرته فأنت مخذول لا ناصر لك.
وقد بينا فيما مضى: أن الذي يقول أصحابنا: إن هذا الخطاب من إبراهيم عليه السلام، إنما توجه إلى من سماه الله أبا له، لأنه كان جدا لإبراهيم عليه السلام لامه، وأن أباه الذي ولده كان اسمه تارخ، لإجماع الطائفة على أن آباء نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى آدم عليه السلام كلهم مسلمون موحدون، ولما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين، إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا. والكافر غير موصوف بالطهارة لقوله تعالى * (إنما المشركون نجس) * * (قال) * آزر مجيبا لإبراهيم عليه السلام حين دعاه إلى الإيمان: * (أراغب أنت عن آلهتي) * أي: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي التي هي الأصنام * (يا إبراهيم) * وتارك لها، وزاهد فيها * (لئن لم تنته) * أي: لئن لم تمتنع عن هذا * (لأرجمنك) * بالحجارة، عن