المعنى: * (حتى إذا بلغ بين السدين) * ثم أخبر سبحانه عن حال ذي القرنين بعد منصرفه عن المشرق، أنه سلك طريقا إلى أن بلغ بين السدين، ووصل إلى ما بينهما، وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما، وهو الحاجز بين يأجوج ومأجوج، ومن وراءهم، عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقيل: أراد بالسدين الموضع الذي فيه السدان اليوم، لأنه لو كان هناك سد، لم يكن لطلبهم السد معنى.
والسد: الموضع المسدود، لا المنفتح * (وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا) * أي خصوا بلغة كادوا لا يعرفون غيرها. قال ابن عباس: كادوا لا يفقهون كلام أحد، ولا يفهم الناس كلامهم. وإنما قال * (لا يكادون) * لأنهم فهموا بعض الأشياء عنهم، وإن كان بعد شدة، ولذلك حكى الله عنهم أنهم * (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) * ويجوز أن يكون الله سبحانه فهم ذا القرنين لسانهم، كما فهم سليمان عليه السلام منطق الطير، أو قالوا له بترجمان: إن يأجوج ومأجوج مفسدون في أرضهم، وفسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم، ويأكلون لحومهم ودوابهم. وقيل: كانوا يخرجون أيام الربيع، فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه، ولا يابسا إلا احتملوه، عن الكلبي. وقيل: أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم. وورد في الخبر عن حذيفة قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال: يأجوج أمة، ومأجوج أمة، كل أمة أربعمائة أمة، لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه، كل قد حمل السلاح. قلت:
يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم ثلاثة أصناف: صنف منهم أمثال الأرز. قلت:
يا رسول الله! وما الأرز؟ قال: شجر بالشام، طوال. وصنف منهم طولهم وعرضهم سواء، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل، ولا حديد. وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه، ويلتحف بالأخرى، ولا يمرون بفيل، ولا وحش، ولا جمل، ولا خنزير، إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام، وساقتهم بخراسان. يشربون أنهار المشرق، وبحيرة طبرية.
قال وهب، ومقاتل: إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك. وقال السدي:
الترك سرية من يأجوج ومأجوج، خرجت تغير، فجاء ذو القرنين فضرب السد، فبقيت خارجه. وقال قتادة: إن ذا القرنين بنى السد على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم قبيلة منهم قبيلة دون السد، فهم الترك. وقال كعب: هم نادرة في ولد بني آدم، وذلك أن آدم عليه السلام احتلم ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله