الخضر خص بعلم ما لا يتعلق بالأداء، فاستعلم موسى من جهته ذلك العلم فقط، وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤديها من قبل الله تعالى * (آتيناه رحمة من عندنا) * يعني: النبوة. وقيل: طول الحياة * (وعلمناه من لدنا علما) * أي: علما من علم الغيب، عن ابن عباس. قال الصادق عليه السلام: كان عنده علم لم يكتب لموسى عليه السلام في الألواح، وكان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته، وأن جميع العلم قد كتب له في الألواح * (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا) * أي: علما ذا رشد. قال قتادة: لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نجي الله موسى، ولكنه قال: * (هل أتبعك) *. الآية. عظمه عليه السلام بهذا القول غاية التعظيم، حيث أضاف العلم إليه، ورضي باتباعه، وخاطبه بمثل هذا الخطاب. والرشد: العلوم الدينية التي ترشد إلى الحق. وقيل: هو علوم الألطاف الدينية التي تخفى على الناس.
* (قال) * العالم * (إنك لن تستطيع معي صبرا) * أي: يثقل عليك الصبر، ولا يخف عليك، ولم يرد أنه لا يقدر على الصبر، وإنما قال ذلك لأن موسى عليه السلام كان يأخذ الأمور على ظواهرها، والخضر كان يحكم بما علمه الله من بواطنها، فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك. ثم قال * (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) * أي:
كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر، وأنت لم تعرف باطنه، ولم تعلم حقيقته.
والخبر: العلم. وفي هذا دلالة على أنه لم يرد بقوله * (لن تستطيع معي صبرا) * نفي الاستطاعة للصبر، لأنه لو أراد ذلك، لكان لا يستطيع الصبر، سواء علم أو لم يعلم. * (قال) * موسى: * (ستجدني إن شاء الله صابرا) * أي أصبر على ما أرى منك.
* (ولا أعصي لك أمرا) * تأمرني به، ولا أخالفك فيه. قال الزجاج: وفيما فعله موسى عليه السلام، وهو من جملة الأنبياء، من طلب العلم، والرحلة فيه، ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ نهايته، وأنه يجب أن يتواضع لمن هو أعلم منه. وإنما قيد عليه السلام صبره بمشيئة الله، لأنه أخبر به على ظاهر الحال، فجوز أن لا يصبر فيما بعد، بأن يعجز عنه، فقال: إن شاء الله، ليخرج بذلك من أن يكون كاذبا * (قال) * الخضر له * (فإن اتبعتني) * واقتفيت أثري * (فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا) * أي: لا تسألني عن شئ أفعله مما تنكره، ولا تعلم باطنه، حتى أكون أنا الذي أفسره لك * (فانطلقا) * يمشيان على شاطئ البحر