فليس ذلك إلا بقدرة الله وتيسيره، ولو شاء لحال بيني وبين ذلك، ولنزع البركة عنه، فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله، ولا يكون له إلا ما شاء الله، ثم رجع إلى نفسه فقال: (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك) معناه: إن كنت تراني اليوم فقيرا، أقل منك ملا وعشيرة وأولادا، فلعل الله أن يؤتيني بستانا خيرا من بستانك في الآخرة، أو في الدنيا والآخرة (ويرسل عليها حسبانا من السماء) أي: ويرسل على جنتك عذابا، أو نارا من السماء فيحرقها، عن ابن عباس، وقتادة. وقيل: يرسل عليها عذاب حسبان، وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك، عن الزجاج. وقيل: ويرسل عليها مرامي من عذابه، إما بردا، واما حجارة، أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب.
(فتصبح صعيدا زلقا) أي: أرضا مستوية لانبات عليها تزلق عنها القدم، فتصير أضر أرض من بعد أن كانت أنفع أرض (أو يصبح ماؤها غورا) أي: غائرا ذاهبا في باطن غامض، منقطعا فيكون أعدم أرض للماء، بعد أن كان أوجد أرض للماء (فلن تستطيع له طلبا) أي: فلن تستطيع طلب غير ذلك الماء بدلا عنه. إلى هنا انتهى مناظرة صاحبه وإنذاره.
ثم قال سبحانه (وأحيط بثمره) معناه: أهلك وأحيط العذاب بأشجاره ونخيله، فهلكت عن آخرها، تقول: أحيط ببني فلان إذا هلكوا عن آخرهم. واصل الإحاطة: إدارة الحائط على الشئ. وفي الخبر: إن الله عز وجل أرسل عليها نارا فأهلكها، وغار ماؤها. (فأصبح) هذا الكافر (يقلب كفيه) تأسفا، وتحسرا (على ما أنفق فيها) من المال وهو أن يضرب يديه واحدة على الأخرى، عن ابن عباس.
وتقليب الكفين يفعله النادم كثيرا، فصار عبارة عن الندم (وهي خاوية على عروشها) أي: ساقطة على سقوفها، وما عرش لكرومها، وذلك أن السقف ينهدم أولا، ثم ينهدم الحائط على السقف. وقيل: إن العروش الأبنية، ومعناه: خالية على بيوتها قد ذهب شجرها، وبقيت جدرانها، لا خير فيها.
(ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا) ندم على الكفر لفناء ماله، لا لوجوب الايمان، فلم ينفعه، لو ندم على الكفر فآمن بالله تحقيقا، لانتفع به. وقيل: إنه ندم على ما كان منه من الشرك بالله تعالى، وآمن (ولم تكن له فئة ينصرونه من دون