وثالثها: أغفلنا قلبه: صادفناه غافلا عن ذكرنا، كما قالت العرب سألناكم فما أقحمناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم ورابعها: أغفلنا قلبه أي: جعلناه غفلا لم نسمه بسمة قلوب المؤمنين، ولم نعلم فيه علامة المؤمنين لتعرفه الملائكة بتلك السمة.
تقول العرب: أغفل فلان ماشيته: إذا لم يسمها بسمة تعرف وخامسها: إن معناه:
ولا تطع من تركنا قلبه خذلناه، وخلينا بينه وبين الشيطان بتركه أمرنا، عن الحسن * (واتبع هواه) * أي: لا تطع من اتبع هواه في شهواته وأفعاله * (وكان أمره فرطا) * أي:
سرفا وإفراطا، عن مقاتل، والجبائي. وقيل: تجاوزا للحد، عن الأخفش. وقيل:
ضياعا وهلاكا، عن مجاهد، والسدي. قال الزجاج: ومن قدم العجز في أمره، أضاعه وأهلكه. فيكون المعنى في هذا أنه ترك الايمان والاستدلال بآيات الله، واتبع الهوى. ثم قال سبحانه: * (وقل) * يا محمد لهؤلاء الذين أمروك بتنحية الفقراء * (الحق من ربكم) * أي: هذا الحق من ربكم يعني القرآن. وقيل: معناه الذي أتيتكم به الحق، عن الزجاج. من ربكم: يعني لم آتكم به من قبل نفسي، وإنما أتيتكم به من قبل الله. وقيل: معناه ظهرت الحجة، ووضح الحق من ربكم، وزالت الشبهة.
* (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * هذا وعيد من الله سبحانه وإنذار، ولذلك عقبه بقوله * (إنا اعتدنا) * وإنما جاز التهديد بلفظ الامر، لان المهدد كالمأمور بإهانة نفسه، ومعناه: فليختر كل لنفسه ما شاء، فإنهم لا ينفعون الله تعالى بإيمانهم، ولا يضرونه بكفرهم، وإنما يرجع النفع، والضر، إليهم * (إنا اعتدنا) * أي: هيأنا وأعددنا * (للظالمين) * أي: الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله تعالى * (نارا أحاط بهم سرادقها) * والسرادق: حائط من نار يحيط بهم، عن ابن عباس. وقيل: هو دخان النار ولهبها، يصل إليهم قبل وصولهم إليها، وهو الذي في قوله: * (إلى ظل ذي ثلاث شعب) *، عن قتادة. وقيل: أراد أن النار أحاطت بهم من جميع جوانبهم، فشبه ذلك في السرادق، عن أبي مسلم.
* (وإن يستغيثوا) * من شدة العطش، وحر النار * (يغاثوا بماء كالمهل) * وهو كل شئ أذيب كالرصاص، والنحاس، والصفر، عن ابن مسعود. وقيل: كعكر الزيت إذا قرب إليه، سقطت فروة رأسه، روى ذلك مرفوعا. وقيل: كدردي الزيت، عن ابن عباس. وقيل: هو القيح والدم، عن مجاهد. وقيل: هو الذي انتهى حره،