وقد صنف العلماء رحمهم الله في كشف ما غرب من ألفاظه واستبهم، وبيان ما اعتاص من أغراضه واستعجم، كتبا تنوقوا في تصنيفها، وتجودوا، واحتاطوا ولم يتجوزوا، وعكفوا الهم على ذلك وحرصوا، واغتنموا الاقتدار عليه وافتراصوا، حتى أحكموا ما شاءوا وأترصوا، وما منهم إلا بطش فيما انتحى بباع بسيط، ولم يزل عن موقف الصواب مقدار فسيط، ولم يدع المتقدم للمتأخر خصاصة يستظهر به على سدها، ولا أنشوطة يستنهضه لشدها، ولكن لا يكاد يجد بدا من نبغ في فن من العلم، وصبع به يده، وعانى فيه وكده وكده، من استحباب أن يكون له فيه أثر يكسبه في لسان الصدق وجمال الذكر، ويحزن له عن الله عز وجل الأجر وسني الذخر.
وفي صوب هذين الغرضين ذهبت عند صنعة هذا الكتاب آل جهدا، ولا مقصر عن مدى، فيما يعود لمقتبسه بالنصح، ويرجع إلى الراغبين فيه بالنجح، من اقتضاب ترتيب سلمت فيه كلمات الأحاديث نسقا ونضدا، ولم تذهب بددا، ولا أيدي سبا، وطرائف قددا، ومن اعتماد فسر موضح، وكشف مفصح، اطلعت به على حاق المعنى وفص الحقيقة اطلاعا مؤداه طمأنينة النفس، وثلج الصدر، مع الاشتقاق غير المستكره، والتصريف غير المتعسف، والإعراب المحقق البصري، الناظر في نص سيبويه وتقرير الفسوي، فأية نفس كريمة ونسمة زاكية، ونور الله قلبها بالإيمان والإيقان، مرت على هذا التبيان والإتقان، فلا يذهبن عليها أن تدعو لي بأن يجعله الله في موازيني ثقلا ورجحانا، ويثيبني عليه روحا وريحانا. والله عز سلطانه المرغوب إليه في أن يوزعنا الشكر على طوله وفضله، وألا نقدم إلا على أعمال الخير الخالصة لوجهه ومن أجله، إنه المنعم المنان.