من بقاء الحقيقة في الحجر ممنوع كيف وقد طرأت عليه صورة فرعية أخرى كالمعادن وجواز التيمم به مع فقد التراب دون المعادن خرج بالإجماع واختلف المفسرون في المراد بالطيب في الآية الكريمة فبعضهم على أنه الطاهر وبعضهم أنه الحلال وآخرون على أنه المنبت دون ما لا ينبت كالسبخة وأيدوا قولهم هذا بقوله تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه " والأول هو مختار مفسري أصحابنا قدس الله أرواحهم وقوله تعالى " فامسحوا بوجوهكم " قد يدعى أن فيه دلالة على أن أو أفعال التيمم مسح الوجه لعطفه بالفاء التعقيبية على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض فيتأيد به ما ذهب إليه العلامة في النهاية من جواز مقارنة نية التيمم لمسح الوجه وإن ضرب اليدين على الأرض بمنزلة اغتراف الماء في الوضوء وقد أطنبت الكلام فيه في الحبل المتين والباء في قوله سبحانه بوجوهكم للتبعيض كما يدل عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام وقد أورده صدرها في الفصل الثاني من مباحث الوضوء وسنوردها بتمامها في الفصل الآتي ولا عبرة بإنكار سيبويه مجئ الباء للتبعيض وقد قدمنا الكلام عليه في تفسير آية الوضوء فالواجب في التيمم بمقتضى الآية الكريمة مسح بعض الوجه وبعض اليدين وعليه جمهور علمائنا وأكثر الروايات ناطقة به و ذهب علي بن بابويه رحمه الله إلى وجوب استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين كالوضوء عملا بصحيحة محمد بن مسلم الآتية ومال المحقق طاب ثراه في المعتبر التخيير بين استيعاب الوجه واليدين كما قاله ابن بابويه وبين الاكتفاء ببعض كل منهما كما قاله الأكثر لورود الروايات المعتبرة عن أصحاب العصمة سلام الله عليهم بكل من الأمرين وقال العلامة قدس الله روحه في المنتهى إلى استحباب الاستيعاب وأما العامة فمختلفون أيضا فالشافعي يقول بمقالة علي بن بابويه وابن حنبل باستيعاب الوجه فقط والاكتفاء بظاهر الكفين ولأبي حنيفة قولان أحدهما الاستيعاب كالشافعي والآخر الاكتفاء بأكثر أجزاء الوجه واليدين وذهب الزهري من العامة إلى وجوب مسح اليدين إلى الإبطين لأنهما حدا في الوضوء بالمرفقين ولم يجدا في التيمم بشئ فوجب استيعاب ما يصدق عليه اليد وهذا القول مما انعقد إجماع الأمة على خلافه والله أعلم درس اختلف المفسرون في معنى لفظة من في قوله سبحانه " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " منه والذي وصل إلينا من أقوالهم في ذلك ثلاثة الأول أنها لابتداء الغاية والضمير عائد إلى الصعيد و الثاني أنها للسببية والضمير عائد إلى الحدث المدلول عليه بقوله سبحانه " أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء " وفيه أنه يقتضي قطع الضمير عن الأقرب واعطائه الأبعد ويستلزم جعل كلمته منه تأكيدا لا تأسيسا إذ السببية تفهم منه الفاء ومن كون المسح في معرض الجزاء الثالث أنها للتبعيض والضمير للصعيد كما تقول أخذت من الدراهم وكيف أكلت من الطعام وهذا هو الذي رجحه صاحب الكشاف بل ادعى أنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض وحكم بأن القول بأنها لابتداء الغاية تعسف وهو كلامه فيما يتعلق بالعربية مقبول إذا لم يثبت خلافه فهذه أقوال المفسرين في معنى لفظة من في الآية الكريمة والعجب من شيخنا أبي على الطبرسي قدس سره كيف طوى كشحا عن البحث عن معناها ولم يذكر شيئا من هذه المعاني لا في مجمع البيان ولا في غيره وقد تابعه في ذلك البيضاوي إذا تقرر ذلك فنقول جعل من في الآية الكريمة للتبعيض يوافق ما ذهب إليه بعض فقهائنا
(٣٣٩)