ما يماسه من الأجزاء الطاهرة من الثوب فللمغتسل إذا أراد التنشف أن يتنشف بأي جزء شاء من أجزائه سوى الجزء الذي ينجس بالمنى وإذا كان المني رطبا فإن أجزاء الثوب الذي تماسه غالبا في حال النزع وبعد الطرح تنجس به لا محالة وربما جفت في مدة الاشتغال بالغسل ولا يتميز عند إرادة التنشف عن الأجزاء الطاهرة التي لم تماسه فيشتبه الطاهر من الثوب بالنجس منه فلذلك جوز الإمام عليه السلام التنشف به إذا كان المني جافا ولم يجوزه إذا كان رطبا والله أعلم الفصل الثالث في نجاسة الكافر وفيه بحثان البحث الأول في تفسير الآية الكريمة المستدل بها على ذلك قال الله تعالى في سورة التوبة يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم " درس أكثر علمائنا على أن المراد بالمشركين ما يعم عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى فإنهم مشركون أيضا لقوله تعالى " قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح بن الله إلى قوله تعالى سبحانه عما يشركون " والنجس بفتح النون والجيم معا مصدر كالغضب وماضيه بكسر العين وضمها ووقوع المصدر خبرا عن ذي جثة يمكن أن يكون بتقدير المضاف والمراد ذو نجس أو بتأويله بالمشتق أو هو باق على المصدرية من غير اضمار ولا تأويل طلبا للمبالغة فكأنهم تجسموا من النجاسة فالكلام مجاز عقلي وهذا الوجه أولى من الوجهين السابقين كما صرح به محققوا علماء المعاني في قول الخنساء في صفة الناقة فإنما هي إقبال وإدبار وورد إرادة الحصر في الآية الكريمة للمبالغة والقصر إضافي من قصر الموصوف على الصفة نحو إنما زيد شاعر وهو قصر قلب أي ليس المشركون طاهرين كما تعتقدون بل هم نجس هذا هو الذي يقتضيه ما تقرر في علم المعاني فلا تلتفت إلى ما قيل من أن المعنى لا نجس من الإنسان غير المشركين فإنه كلام ساقط واختلف المفسرون في المراد بالنجس هنا فالذي عليه علماؤنا قدس الله أرواحهم أن المراد به النجاسة الشرعية وأن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير وهو المنقول عن ابن عباس وقيل المراد بنجاستهم خبث باطنهم وسواء اعتقادهم وقيل نجاستهم لأنهم لا يتطهرون من الجنابة ولا يجتنبون النجاسات بل يلابسونها غالبا كشربهم الخمر وأكلهم لحم الخنزير وقد أطبق علماؤنا على نجاسة من عدا اليهود والنصارى من أصناف الكفار وقال أكثرهم بنجاسة هذين الصنفين أيضا والمخالف في ذلك ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المسائل الغوية لما في بعض الروايات المعتبرة من الإشعار بطهارتهم كما ستطلع عليه عند ذكر الأحاديث واختلف في المراد بقوله تعالى " فلا يقربوا المسجد " فقيل المراد منعهم من الحج كما كانت عادتهم من قبل و قيل المراد منعهم من دخول الحرم وقيل من دخول المسجد الحرام خاصة وأصحابنا على منعهم من دخوله ودخول كل مسجد وإن لم تتعد نجاستهم إليه والمراد بعامهم هذا سنة تسع من الهجرة وهي السنة التي بعث النبي صلى الله عليه وآله فيها أمير المؤمنين عليه السلام لأخذ سورة براءة من أبي بكر وقرائتها على أهل الموسم فقرأها عليهم ونادى ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك وقوله تعالى " وإن خفتم عيلة " أي احتياجا بسبب انقطاع السابلة لمنع المشركين من التردد إلى مكة للتجارة فسوف يغنيكم الله من فضله وقد وقع ما وعدهم الله به من الإغناء إذ أسلم بعد ذلك أهل جدة وصنعاء وجرش اليمن وحملوا الأقوات إلى مكة وكفى الله المسلمين ما كانوا يخافونه من الاحتياج وأرسل عليهم السماء
(٣٥٨)