وقد يدفع أن مراده رحمه الله أن العدل إذا عرف من نفسه كثرة السهو لم يجتزء على الرواية تحرزا عن إدخال ما ليس من الدين فيه وأنت خبير بأن لقائل أن يقول إنه إذا كثر سهوه فربما يسهو عن أنه كثير السهو فيروي والحق أن الوصف بالعدالة لا يغني عن الوصف بالضبط فلا بد من ذكر المزكي ما ينبئ عن اتصاف الراوي به أيضا ونعم ما قال العلامة رفع الله درجته في النهاية من أن الضبط من أعظم الشرائط في الرواية فإن من لا ضبط له قد يسهو عن بعض الحديث ويكون مما يتم به فائدته ويختلف الحكم به أو يسهو فيزيد في الحديث ما يضطرب به معناه أو يبدل لفظا بآخر أو يروي عن النبي ص ويسهو عن الواسطة أو يروي عن شخص فيسهو عنه ويروي عن آخر انتهى كلامه فإن قلت فكيف يتم لنا الحكم بصحة الحديث بمجرد توثيق علماء الرجال رجال سنده من غير نص على ضبطهم قلت إنهم يريدون بقولهم فلان ثقة أنه عدل ضابط لأن لفظ الثقة مشتق من الوثوق ولا وثوق بمن يتساوى سهوه وذكره أو يغلب سهوه على ذكره وهذا هو السر في عدولهم عن قولهم عدل إلى قولهم ثقة تبيان ذهب أكثر علمائنا قدس الله أرواحهم إلى أن العدل الواحد الإمامي كاف في تزكية الراوي وأنه لا يحتاج فيها إلى عدلين كما يحتاج في الشهادة وذهب القليل منهم إلى خلافه فاشترطوا في التزكية شهادة عدلين واستدل على ما ذهب إليه الأكثر بوجهين الأول ما ذكره العلامة طاب ثراه في كتبه الأصولية وحاصله أن الرواية تثبت بخبر الواحد وشرطها تزكية الراوي وشرط الشئ لا يزيد على أصله وبعبارة أخرى اشتراط العدالة في مزكي الراوي فرع اشتراطها في الراوي إذ لو لم تشترط فيه لم تشترط في مزكيه فكيف يحتاط في الفرع بأزيد مما يحتاط في الأصل فإن قلت مرجع هذا الاستدلال إلى القياس فلا ينهض علينا حجة قلت هو قياس بطريق الأولوية وهو معتبر ظاهرا عندنا فإن قلت للخصم أن يقول كيف يلزمني ما ذكرتم من زيادة الفرع على الأصل والحال أني أشترط في الرواية ما لا تشترطونه من شهادة عدلين بعدالة راويها ولا أكتفي بشهادة العدل الواحد قلت عدم قبول تزكية عدل واحد زكاه عدلان واشتراطه فيها التعدد مع قبول رواية عدل واحد زكاه عدلان واكتفائه فيها بالواحد يوجب عليه ما ذكرنا الثاني أن آية التثبت أعني قوله تعالى إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا كما دلت على التعويل على رواية العدل الواحد دلت على التعويل على تزكيته أيضا فيكتفي به في جميع الموارد إلا فيما خرج بدليل خاص وهو غير حاصل هنا واستدل على اشتراط التعدد في التزكية بأمرين الأول أن الأخبار بعدالة الراوي شهادة فلا بد فيها من العدلين وجوابه أما أولا فبمنع الصغرى فإنها غير بينة ولا مبنية وهلا كانت تزكية الراوي كأغلب الأخبار في أنها ليست شهادة كالرواية وكنقل الإجماع وتفسير مترجم القاضي وأخبار المقلد مثله بفتوى المجتهد وقول الطبيب بإضرار الصوم بالمرض وإخبار أجير الحج بإيقاعه وإعلام المأموم الإمام بوقوع ما شك فيه وإخبار العدل العارف بالقبلة لجاهل العلامات إلى غير ذلك من الأخبار التي اكتفوا فيه بخبر الواحد وأما ثانيا
(٢٧١)