ونحوهما كما قلناه الآن وبأن المهدي يراد به بقرينة مقام المدح المنتفع بالهدى مجازا كون الأصل في الاطلاق الحقيقة إنما يجدي عند الاستعمال بلا قرينة ومنها أن اهتدى مطاوع هدى يقال هديته فاهتدى والمطاوعة حصول الأثر في المفعول بسبب تعلق الفعل المتعدي به فلا يكون المطاوع مخالفا لأصله إلا في التأثر والتأثير ففي المنكسر حالة تسمى قبولها انكسارا وتحصيلها كسرا فلو لم يكن في الهداية إيصال لم يكن في الاهتداء وصول ولا يراد أمرته فلم يأتمر وعلمته فلم يتعلم لأن حقيقة الايتمار صيرورته مأمورا وهو بهذا المعنى مطاوع للأمر ثم استعمل في الامتثال مجازا حتى صار حقيقة عرفية فيه وليس مطاوعا له بهذا المعنى وإن ترتب عليه في الجملة كالمطاوع وليس المراد بالتعليم تحصيل العلم في المتعلم بل إلقاء المبادئ التعليمية عليه وسوقها إلى ذهنه شيئا فشيئا وقد يخدش بأنا إن تنزلنا وسلمنا لكم جميع ذلك فلا تسلم اعتبار الوصول في الإهداء كما مر فصل أقسام هدايته جل شأنه وإن كانت مما لا يحضر قدره ولا يقدر حصره إلا أنها على أربعة أنحاء أولا الدلالة على جلب المنافع ورفع المضار بإفاضة القوى التي يتوصل بها إلى ذلك كالحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة والقوة العقلية وإليه يشير قوله عز من قائل " أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " وثانيا الدلالة بنصب الدلائل العقلية الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه يشير قوله عز وعلا وهديناه النجدين وثالثا الدلالة العامة بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولعله المراد بقوله جل شأنه وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى وقد يجعل منه قوله تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " وقوله سبحانه " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " ورابعا الدلالة على طريق السير والسلوك والانجذاب إلى حظاير القدس ومحاضر الإنس بانطماس آثار التعلقات الجسمانية واندراس أغشية الجلابيب الهيولانية فينكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي والإلهام والمنامات الصادقة ويشغلهم عن ملاحظة ذواتهم وصفاتهم بالاستغراق في ملاحظة جلاله ومطالعة أنوار جماله وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء ثم الأولياء ثم من يحذو حذوهم من أصحاب حقائق الذين نفضوا ذيولهم من غبار هذه الدار الدنية وكحلوا عيونهم بكحل الحكمة النبوية وإياه عنى بقوله عز وعلا " أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده " وقوله عز وجل " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " فإذا تلا هذه الآية أصحاب مرتبة الثالثة أرادوا بالهداية المرتبة الرابعة وإذا تلاها أصحاب المرتبة الرابعة أرادوا زيادة ما منحوه من الهدى كما في قوله تعالى " والذين اهتدوا زادهم هدى " أو الثبات عليه كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام اهدنا ثبتنا ولفظ الهداية على الثاني مجاز إذ الثبات على الشئ غيره وأما على الأول فإن اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه فمجاز أيضا وإن اعتبر خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن فحقيقة لأن الهداية الزائدة هداية كما أن العبادة الزائدة عبادة فلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز هذا والأصل في الهداية أن يتعدى باللام أو إلى تعديتها هنا من قبيل الحذف والإيصال كتعدية اختار في قوله تعالى " واختار موسى قومه " والصراط الجادة من سرط الطعام بالكسر و الفتح إذا ابتلعه فكأنه تسترط السايلة أو هم يسترطونه ولذلك سمي لقما بفتحتين كأنه يلتقمهم أو كأنه يلتقمونه وجمعه
(٤٠٧)