ظاهر قوله تعالى " وهو الله في السماوات " معنى صحيحا لإشعاره حينئذ بالمكانية تعالى الله عنها علوا كبيرا بخلاف ما لو كان وصفا بمعنى المعبود بالحق وفيه أن الاسم قد يلاحظ معه معنى يصلح به لتعلق الظرف كما لا يلاحظ في حاتم معنى الكرم وفي الأسد معنى الإقدام فليلاحظ هنا المعبود بالحق لاشتهاره سبحانه بذلك في ضمن هذا الاسم المقدس ومنها أن ذاته تعالى من حيث هي من دون اعتبار أمر حقيقي أو غيره غير معقولة للبشر فلا يمكن أن يدل عليها بلفظ وأورد عليها أن أقصى ما يلزم منه عدم تمكن البشر من وضع العلم له جل شأنه لا ما هو المدعى من أنه ليس له سبحانه علم وقد صح أن أسمائه توقيفية فيجوز أن يصنع هو لذاته المقدسة علما على أن القول بعدم تمكن البشر من وضع العلم محل كلام إذ يكفي في وضع الاسم تعقل المسمى بوجه يمتاز به عما عداه ولقائل أن يقول غرض المستدل أن وضع العلم بخصوصية الذات المقدسة لا يليق بالحكمة لجريانه مجرى العبث لأن الغرض من الوضع هو التفهيم والتفاهم لكن الدلالة على الذات المقدسة بالعلم بحيث يفهم منه معنى العلمي غير ممكنة وإحضار المسمى بشخصه في ذهن السامع عند إطلاق العلم مما لا سبيل إليه فيما نحن فيه فإنا معاشر البشر لا يخطر ببالنا عند سماع العلم نفس الموضوع له أعني الذات المقدسة أصلا لتقدسها عن التلوث بالحضور على وجه التشخص في أذهاننا بل لا يتعقله جل شأنه إلا بصفات وسلوب وإضافات يمكنها فهم معانيها والظاهر أن هذا ليس مختصا بنا بل الملائكة أيضا مشاركون لنا في القصور عن إدراك المعنى العلمي فقد ورد في الحديث إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم وأما حكاية تمكن البشر من وضع العلم للذات المقدسة فلا يخفى ما فيه فإنها إنما يدرك بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعا في الحقيقة لمفهوم كلي لا بجزئي حقيقي فلا يكون علما وإن جعل المفهوم الكلي آلة للوضع وجعل الموضوع له الخصوصية التي تصدق عليها هذا المفهوم كما قيل في هذا وأسماء الإشارة وما هو من ذلك القبيل فتأمل وتبصر تتمة تفخيم لأم الجلالة المقدسة طريقة شايعة لا يجوز خلافها وذلك إذا نضم ما قبلها أو انفتح لا إذا انكسر وربما قيل بالتفخيم في الأحوال الثلاثة ونقل ذلك عن بعض القراء وربما أوهمه كلام الكشاف وحذف الألف منها لحن نبطل به الصلاة وإنما ورد في الشعر للضرورة ولا ينعقد به اليمين عندنا إذ ليس من الأسماء المختصة ولا الغالبة وفصل بعض الشافعية فقال أما اليمين الصريح وهو عندهم ما ينعقد بمجرد التلفظ بالاسم ولا يحتاج معه إلى أن ينوي الحالف الذات المقدسة كالحلف بالأسماء المختصة به تعالى كالخالق والرحمن فلا ينعقد به وأما اليمين الكنايتي وهو عندهم ما يحتاج به إلى النية المذكور كالحلف بالأسماء المشتركة كالحي والسميع والبصير فينعقد معها وأما أصحابنا رضي الله عنهم فلا يجوزون الحلف بالأسماء المشتركة الغير الغالبة ويعتبرون القصد المذكور في المختصة والغالبة معا وتفصيل ذلك في الكتب الفقه والله أعلم وبعد الرحمة رقة في القلب وتأثر يقتضي التفضل والإحسان ويوصف بها سبحانه باعتبار غايتها التي هي فعل لا باعتبار مبدائها الذي هو انفعال التنزه جل شأنه عنه وأكثر أسمائه تعالى تؤخذ بهذا الاعتبار كالرحمن الرحيم وهما صفتان مشبهتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة
(٣٩٦)