منه بعين ولا أثر واجمع بيننا وبين إخوان الصفا في دار المقامة وألبسنا وإياهم حلل الكرامة في يوم القيامة إنك جواد كريم رؤوف رحيم اهدنا الصراط المستقيم المستنبط من تتبع موارد استعمال أهل اللسان الهداية إنها مطلق الإرشاد والدلالة بلطف سواء كان معها وصول إلى البغية أم لا وبه صرح اللغويون ومنه الهدية لما فيها من الدلالة على ما يراد من المهدي إليه وهوادي الوحش لمقدماتها الدالة لها على الماء والكلاء وقوله عز وعلا فاهدوهم إلى صراط الجحيم تهكم من قبيل فبشرهم بعذاب أليم وزعم بعض المتأخرين اختصاصها بالدلالة الموصلة إلى البغية وآخرون منهم إنها إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها فموصلة ولا تسند إلا إليه سبحانه كما في الآية التي نحن فيها وقوله تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " وإن تعدت بالحرف فهي مطلق الدلالة وكما تسند إليه عز وجل تسند إلى غيره كما قال جل شأنه إنك لتهدي إلى صراط مستقيم وأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وقد يخدش كلا الزعمين بقوله تعالى " وهديناه النجدين " إذ لا امتنان في الإيصال إلى طريق وأولهما بقوله تعالى " وأما ثمود فهديناهم " فاستحبوا العمى على الهدى ووصولهم إلى المطلوب ثم ارتدادهم مخالف للنقل وقوله عز من قائل إنك لا تهدي من أحببت أخص من مطلوبهم ونحن لا ننكر مجيئها بمعنى الدلالة الموصلة على أن الحمل على إرادة إنك لا يتمكن من إرائة الطريق لكل من أحببته بل لمن أرادنا ممكن وثانيهما أعني ما تضمنه أول شقيه من اختصاص الإسناد بحكايته جل وعلا قول إبراهيم على نبينا وعليه السلام لأبيه فاتبعن أهدك صراطا سويا وقول مؤمن آل فرعون يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد وقد يستدل على الزعم الأول بوجوه منها وقوع الضلالة في مقابلة الهداية ويرشد إليه قوله تعالى " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " و عدم الوصول معتبر في مفهوم الضلالة فيعتبر الوصول في مفهوم الهداية ليتحقق التقابل والبحث وإن كان في الهداية المتعدية والمقابل للضلالة هو الهداية اللازمة بمعنى الاهتداء كما أن المقابل للضلالة هو الهدى اللازم وفي الصحاح هدى واهتدى بمعنى إلا أن اعتبار الوصول في مفهوم اللازم يقتضي اعتباره في مفهوم للتعدي بحيث أن الهداية اللازمة هي التوجه الموصل المقابل للضلالة التي هي توجه غير موصل يكون المتعدية هي التوجيه الموصل وأورد عليه أن المقابلة يستتب بكون الهداية توجها صادرا عن بصيرة إلى مما من شأنه الإيصال إلى المطلوب وكون الضلالة توجها زايغا إلى ما ليس من شأنه الإيصال إلى المطلوب قطعا ودعوى أن الوصول العقلي معتبر فيها كعدمه في مقابلها غير مسموعة كيف ومجامعته لها في الوجود غير ممكنة إذ هو غاية للتوجه فينتهي عنده لا محالة ضرورة امتناع التوجه إلى تحصيل ما هو حاصل وإنما التوجه بعد ذلك إلى الثبات بخلاف مجامعه عدمه لمقابلها ببقائها متحققة مستمرة باستمراره ولا يجوز أن يراد لزوم ترتبه عليها للزوم كون السالك المقبل بقلبه وقالبه على سلوك طريق من شأنه حصول الوصول بسلوكه إذا تخلف وصوله الأمر خارجي كحلول أجله مثلا ولم يحصل منه تقصير ولا توان ضالا إذ لا واسطة بين الهداية والضلالة ومنها أنه يقال في المدح مهدي كما يقال مهتدي ولا مدح إلا بالوصول إلى الكمال وخدش بأن الاستعداد للكامل والوصول إليه بالقوة القريبة من الفعل مزية يستحق المدح عليها وكون التمكن مع عدم الوصول يقتضيه يستحق الذم عليها إنما هو مع عدم ترك الوصول بالاختيار لا لاحترام المنية
(٤٠٦)