وتوفيقا وانتظموا في سلك الذين أنعم الله من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وإن من أعظم نعم الله سبحانه علي وأتم مننه التي لم ترح متواصلة لدي إنه لم أزل منذ بلغت العشرين إلى أن أكملت الخمسين متطلبا لاستكشاف سره المكتوم مترقبا لارتشاف رحيقه المختوم فأنفقت كنز الشباب أسبابه وأدواته سيما العلميين الجليلين اللذين لهما به مزيد اعتلاق واختصاص وليس للمتعطشين إلى دلالة عن التبحر فيهما من بد ولا مناص أعني بهما علم المعاني وعلم البيان اللذين هما الذريعة لمن رام الاطلاع على جواهر أسرار القرآن ولقد امتد فيهما كدي ونصبي حتى امتزج بهما لحمي وعصبي وبلغت منهما بتوفيق الله أقصى مناي ولم أكن قانعا بما يقنع به سواي ولما قضيت من مقدمات علم التفسير وطري ووجهت إلى الكتب المؤلفة فيه بريد نظري طفقت أواصل بين عشياتي وأسحاري في كل سطر منها شطرا من ليلي أو نهاري انظم كل درة من دررها في سلك روحي وأعد الضفر بفوائد غورها من أعظم فتوحي معلقا على بعضها حواشي شريفة تذري نفحاتها بنسمات الأزهار وتحكي صفحاتها جنات من تحتها الأنهار كما علقته في عنفوان الشباب على تفسير الفاضل البيضاوي من حواش بارعة تسلك بالطالبين طريقا قويما وتهدي الراغبين صراطا مستقيما وتلبد مماهجه المحشون من العجاج من معارك أنظارهم وتسكن ما أثاروه من عشير اللجاج في مدارك أفكارهم وكما رقمته على بعض مباحث الكشاف ومجمع البيان من فوائد حسان أبهى من أيام الشباب وأشهى من وصال الأحباب وكان قد اجتمع إلى علي تمادى الأيام وتحصل لدي على وإلى الشهور والأعوام فوائد جليلة لم يجتمع إلى الآن في كتاب ولم يطلع عليها إلا واحد من أولي الألباب وزوائد جزيلة استنبطها بالعطر الكليل القاصر والفكر العليل الخاسر لم يحم حولها أبناء الزمان ولم يطمثهن إنس قبلي ولا جان فأحببت أن أجمع نفايس تلك العرايس في تأليف هذا الفن الشريف يخبر بالسر المخزون في زوايا كنوزه ويظهر درر المكنون من خفايا رموزه يوصل طلاب أسراره إلى أقصاها ولا يغادر من جواهر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها متضمنا خلاصة ما ورد في هذا العلم عن سيد المرسلين ونقاوة ما نقل فيه عن الأئمة الطاهرين عليه وعليهم أفضل صلوات المصلين ومشتملا على صفوة ما وصل إلينا عن الصحابة المرضيين والعلماء الماضين والسلف الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين وسميته بالعروة الوثقى وأرجو أن تكون وسيلة إلى ما هو خير وأبقى ثم التمس منكم يا أصحاب الطباع القويمة والأوضاع المستقيمة والخواطر المجتمعة والأفكار الغير المتوزعة أن تمنوا على بإصلاح الفساد وترويج الكساد وإسيال ذيل المسامحة والعفو على ما فيه من الخلل والهفو فإن تحقيق غرر الحقايق يتعسر مع تزاحم أفواج العوائق والغوص على درر الدقائق يتعذر عند تراكم أمواج العلائق ومن الله الاستمداد والاستعانة إنه ولي التوفيق والإعانة سورة فاتحة الكتاب السورة أما مستعارة من سور المدنية لإحاطتها بما تضمنته من أصناف المعارف والأحكام كإحاطة السور بما يحتوي عليه أو مجاز مرسل من السورة بمعنى المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إذ لكل واحدة من السورة
(٣٨٧)