عن الخامس والسادس بأن العظم المستدير الذي هو الكعب عنده في الحقيقة واقع في ظهر القدم كما قلنا في الجواب عن الثاني وهو مرتفع العظم عنه وواقع فوقه كما بيناه واعلم أنه طاب ثراه بعد ما استدل بصحيح الأخوين على ما ادعاه استدل أيضا برواية زرارة عن الباقر عليه السلام المتضمنة لمسح ظهر القدمين ثم قال وهو يعطي الاستيعاب وغرضه قدس الله روحه الاستيعاب الطولي أعني مرور خط المسح ولو بإصبع على طول القدم فيتصل آخره بالمفصل لا محالة وليس مراده استعياب مجموع ظهر القدم طولا وعرضا ويدل على ذلك قوله في التذكرة ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي المسح من رؤس الأصابع إلى الكعب ولو بإصبع واحدة عند أهل البيت عليهم السلام ثم قال ويجب استيعاب طول القدم من رؤس الأصابع إلى الكعبين فلا وجه للاعتراض عليه بأن استيعاب ظهر القدم لم يقل به أحد منا لأن ذاك هو الاستيعاب طولا وعرضا معا وقد خرج بالإجماع فنزل ظاهر الرواية على الاستيعاب الطولي وإنما بسطنا الكلام في هذا المقام لأنه بذلك حقيق والله ولي التوفيق درس قد طال التشاجر وامتد النزاع بين الأمة في مسح الرجلين وغسلهما في الوضوء فقال فرقة بالمسح وقال طائفة بالغسل وقال جماعة بالجمع وقال آخرون بالتخيير أما المسح فهو مذهب كافة أصحابنا الإمامية رضي الله عنهم عملا بما تفيده الآية الكريمة عند التحقيق واقتداء بأئمة أهل البيت عليهم السلام ونقل شيخ الطائفة في التهذيب أن جماعة من العامة يوافقوننا على المسح أيضا إلا أنهم يقولون باستيعاب القدم ظهرا وبطنا ومن القائلين بالمسح ابن عباس رضي الله عنه وكأن يقول الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته ووافقه أنس بن مالك وعكرمة والشعبي وجماعة من التابعين وقد نقل علماء العامة من المفسرين وغيرهم أنه موافق لقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام وقول آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين و أما الغسل فهو مذهب أصحاب المذاهب الأربعة وزعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أمر به ونهى عن المسح وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام ورووه عن عايشة و عبد الله بن عمر وستسمع تفصيله عن قريب وأما الجمع بين الغسل و المسح فهو مذهب داود الظاهري والناصر للحق وجم غفير من الزيدية وقالوا قد ورد الكتاب بالمسح ووردت السنة بالغسل فوجب العمل بهما معا ككثير من العبادات التي وجب بعضها بالكتاب وبعضها بالسنة ولأن براءة الذمة لا تحصيل بتعيين إلا به وأما التخيير بين الغسل والمسح فهو مذهب الحسن البصري وأبي على الجبائي ومحمد بن جرير الطبري وأتباعهم وقالوا سوى الحسن البصري أن من مسح فقد عمل بالكتاب ومن غسل فقد عمل بالسنة ولا تنافي بينهما كما في الواجب التخييري فالمكلف مخير بين الأمرين أيهما شاء فعله وأما الحسن البصري فلم يوافقهم على هذا الدليل وإن وافقهم في الدعوى وذلك لأنه حمل الآية على التخيير واعلم أن القراء السبعة قد اقتسموا قرائتي نصب الأرجل وجرها على التناصف فقرء الكسائي ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم بنصبها وحمزة وابن كثير وأبو عمر وأبو بكر عن عاصم بجرها وحمل الماسحون قراءة النصب على العطف على محل الرؤس كما تقول مررت بزيد وعمرا بالعطف على محل زيد لأنه مفعول به في المعنى والعطف على المحل شايع في كلام العرب مقبول عند النحاة وأما قراءة الجر فلا حاجة لهم إلى توجيهها إذ ظهورها في المسح غني عن البيان والغاسلون حملوا قراءة النصب على عطف الأرجل على الوجوه أو على اضمار عامل آخر
(٢٨٦)