أمور أخر لا يخرجها الوجوب عن كونها تفضلا كما في المثال المذكور ولله المثل الأعلى وبه الإعتصام وبه الرجعى إياك نعبد وإياك نستعين أكثر النحاة على أن إيا هو الضمير والكاف والياء والهاء الملحقة بها حروف زيدت لبيان الخطاب والتكلم والغيبة كتاء أنت وكاف رأيتك بمعنى أخبرني المزيدة لتأكيد الخطاب وقال الزجاج هو اسم مظهر تضاف إلى المضمرات الثلاث واحتج الخليل على الإضافة بقولهم إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب وهو نعم الشاهد لولا شذوذه وقيل هي الضمائر وأي دعامة مخرجة لها عن الاتصال إلى الانفصال وقيل بل المجموع و العبادة على مراتب الخضوع والتذلل ولذلك لا يليق بها إلا من كان موليا لأعلى النعم وأعظمها من الوجود والحياة و توابعها ومن قال إنها لا يستعمل إلا في الخضوع لله تعالى لعله أراد هذا وإلا فظاهره مصادم لقوله تعالى " وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " وأما ما رواه عمدة الإسلام رحمه الله في الكافي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام من اصغي إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله وإن كان يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان فلعله ورد على سبيل المبالغة أو أن العبادة فيه بمعنى الطاعة وما في مجمع البيان من إنكار القول بأنها بمعنى الطاعة لعل المراد به إنكار كونها حقيقة فيها فما في الصحاح وغيرها من تفسيرها بالطاعة لا ينافيه كما يظن فإن أكثر اللغة كما قيل مجازات والاستعانة طلب المعونة على الفعل أما لتعذر الإتيان به بدونها أو لتعسره والمراد هنا طلب المعونة في المهمات وبأسرها أو في أداء العبادة والقيام بوظائفها من الإخلاص التام وحضور القلب وفي هذا نكتة أوردها في تفسير الكبير هي أن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا واعتدادا بما يصدر عنه فعقبه بقوله وإياك نستعين يريد أن العبادة أيضا لا يتم ولا تستتب إلا بمعونة منه تعالى وتوفيق وتقديم العبادة على الاستعانة يمكن أن يكون للإشارة إلى هذه الثلاثة وللمحافظة على رؤس الآي ولأن العبادة من مدلولات الاسم المقدس إذ معناه المعبود بالحق فكانت أحق بالقرب منه ولأنها مطلوب الله سبحانه من العباد والمعونة مطلوبهم منه فناسب تقديم مطلوبه على مطلوبهم ولأن المعونة التامة إنما هي ثمرة العباد ونتيجتها كما يظهر من الحديث القدسي ما يتقرب إلى عبدي بشئ أحب مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها الحديث ولأنها أشد مناسبة لما تنبئ عن الجزاء والاستعانة أقوى اتصالا بطلب الهداية ولأن التخصيص بالعبادة أول ما يحصل به الإسلام وأما التخصيص بالاستعانة فإنما يحصل بعد الرسوخ التام في الدين والترقي في مراتب اليقين فكان أحق بالتأخير ولأن العبادة وسيلة إلى حصول الحاجة التي هي المعونة وتقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة فهذه وجوه ثمانية لتقديم العبادة على الاستعانة فصل وتقديم مفعولي العبادة والاستعانة عليهما للحصر والتعظيم والاهتمام وتقديم ما هو مقدم في الوجود والإيماء إلى أن العابد والمستعين ومن يحذو حذوهما ينبغي أن يكون مطمح نظرهم أولا وبالذات هو الحق جل شأنه على وتيرة ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله ثم منه إلى أنفسهم لا من حيث أنها ذواتها بل من حيث أنها ملاحظة له عز وعلا ومنتسبة إليه ثم إلى أعمالهم من العبادة والاستعانة والمناجاة وما
(٤٠٢)