رجحت الأولى بكونها أوفق بقوله تعالى " وإياك نستعين " وبأن جعل الاسم الكريم ذريعة يتوصل بها إلى الفعل يشعر بزيادة مدخليته فيه حتى كأنه لا يتأتى ولا يوجد بدونه والمصاحبة عرية عن ذلك الإشعار والتبرك الذي ربما يترآى معها مشترك إذ ليس معنى لشئ منهما ولا لازما وإنما نشأ من خصوص المادة فإن ذكر اسمه سبحانه مثمر للبركة على أي نحو جرى والسورة بجملتها مقولة على السنة العباد إرشادا لهم إلى طريق التبرك بأسمائه والحمد على نعمائه والإخلاص في الإقبال عليه وسؤال الهداية من لديه وأما متعلق الباء فلك إضماره خاصا أو عاما فعلا واسما مؤخرا ومقدما ولعل أولى هذه الثمانية أولها أعني الخاص الفعلي المؤخر فالتقدير باسم الله اقرأ لا ابدأ لأن الفعل الذي تلي البسملة وبدء القارئ بها فيه قراءة ولوروده خاصا عند الذكر في قوله تعالى " اقرأ باسم ربك " فكذلك عند الحذف إذ القرآن يفسر بعضه بعضا وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله أمر من آوى إلى فراشه أن يقول باسمك وبك وضعت جنبي وبك ارفعه وفي حديث أبي ذر وحذيفة رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله كان إذا آوى إلى فراشه يقول باسمك اللهم أحيى وأموت ولأن ما يدل على ملابسة الاسم الأقدس المطلق القراءة أولى مما هو صريح في التقييد بابتدائها كيف والأحق بأن يقصد بالبسملة الاستعانة عليه هو القراءة بجملتها ليقع بأجمعها على الوجه اللايق من حضور القلب وعدم اشتغاله في أثنائها بغير الإقبال على الحق جل شأنه وما قيل من اقتضاء اضمار ابدأ العمل بحديث الابتداء لفظا ومعنى وإفضاء تقدير اقرأ إلى رفض العمل به لفظا فمما لا يستحق في مثل هذه المقامات الإصغاء إليه فضلا عن التعويل عليه وأما إيثاره على قرائتي فلزيادة التقدير حينئذ ضرورة اضمار الخبر إذ تعلق الظرف بها يمنع جعله خبرا لها على أن تقدير الفاعل بارزا ليس كتقديره مستترا و أما تأخير العامل فلما فيه من تقديم ما هو الحقيق بالتعظيم ولاقتضائه قصر الاستعانة والتبرك على اسمه جل وعلا قصرا حقيقيا أو إضافيا قلبيا ردا على المشركين في قولهم باسم اللات والعزى وليوافق تقدم الاسم الكريم على ما تلاه تقدم مسماه على ما سواه وكان من حق الباء أن تفتتح وفاقا لسائر أخواتها من التاء والكاف والواو والفاء وغيرها من حروف المعاني التي كثر الابتداء بها وقد منع أفرادها ورفضهم الابتداء بالساكن من سكونها الذي هو الأصل في المبنيات عوضوها عنه بالفتحة التي هي أخته في الخفة وإنما كسروها لانفرادها من بينهن بلزوم الحرفية والجر فحركوها بالكسرة المناسبة للسكون الذي هو جبلة الحروف مناسبة القلة للعدم ولتكون حركتها موافقة لأثرها كما كسروا لام الأمر ولام الجر داخلة على المظهر ليمتاز عن لام الابتداء فيما لم يظهر فيه أثر العامل كالمبني والتقديري والموقوف عليه ولم يخشوا التباس اللامين الأولين لتمايز مدخوليهما بالفعلية والإسمية ولا الأخيرين حال الدخول على مضمر للتمايز بالاتصال والانفصال وأما كسر الجارة لياء المتكلم فللتناسب كما أن فتح لام المستغاث للتميز عن المستغاث له مع أن وقوعه موقع كاف أدعوك قد صيره في حكم المضمر فصل الاسم عند البصيرتين من الأسماء المحذوفة الإعجاز المسكنة (..) بل تخفيفا لكثرة الاستعمال المبدوة حال الاستعمال بهمزة الوصل جريا على ما هو دأبهم من الابتداء بالمتحرك فقرنوها بما يثبت في الابتداء ويسقط في
(٣٩٣)