نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين الكلام في تفسير الآيتين الكريمتين يتم بإيراد درسين درس ذكر سبحانه ستة أمور مما سئلوا النبي صلى الله عليه وآله عنها وأوحى الله جل شأنه إليه الجواب عنها وسؤالهم هذا سادس تلك السؤلات وكلها معنونة بلفظ يسئلونك لكن الثلاثة الأول بغير واو وهي سؤالهم ماذا ينفقون وسؤالهم عن القتال في الشهر الحرام وسؤالهم عن الخمر والميسر وثلاثة مبدوة بالواو و هي سؤالهم عن كيفية الإنفاق وسؤالهم عن أمر اليتامى وسؤالهم عن المحيض قال البيضاوي لعل ذلك لأن السؤالات الأول كانت في أوقات متفرقة والثلاثة الأخيرة في وقت واحد ولا يخفى أن تعليله هذا لا يتمشى في أول الثلاثة الأخيرة من دون إضافة الرابع فالصواب إبدال الثلاثة بالأربعة وقد أخذ هذا الكلام من الكشاف فأفسده قال في الكشاف كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول واقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف لأن كل واحد من السؤالات سؤال مبتداء وسئلوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد فجئ بحرف العطف لذلك كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر و السؤال عن الإنفاق والسؤال عن كذا وكذا انتهى ولعل البيضاوي توهم أن إدراج الزمخشري السؤال عن الخمر في سلك السؤالات المجموعة في وقت واحد مع خلوه عن الواو الجامعة واقع في غير محله والمحيض يأتي بمعنى المصدر تقول حاضت المرأة محيضا كباتت مبيتا وبمعنى اسم الزمان مدة الحيض وبمعنى المكان أي محل الحيض وهو القبل والمحيض الأول في الآية بالمعنى الأول أي يسئلونك عن الحيض وأحواله والسائل أبو الدحداح في جمع من الصحابة وقوله تعالى هو أذى أي هو أمر مستقذر موذ ينفر الطبع عنه والاعتزال التنحي عن الشئ وأما المحيض الثاني فيحتمل كلا من المعاني الثلاثة السابقة وستسمع الكلام فيه وقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن تأكيد للأمر بالاعتزال وبيان لغايته وقد قرء حمزة والكسائي يطهرن بالتشديد أي يتطهرن وظاهره أن غاية الاعتزال هي الغسل وقرء الباقون يطهرن بالتخفيف وظاهره أن غايته انقطاع الدم والخلاف بين الأمة في ذلك مشهور وسيجئ تحقيق الحق فيه وقوله تعالى فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله يؤيده القراءة الأولى والأمر بالإتيان للإباحة كقوله تعالى فإذا حللتم فاصطادوا وأما وجوب الإتيان لو كان قد اعتزلها أربعة أشهر مثلا فقد استفيد من خارج واختلف المفسرون في معنى قوله جل شأنه من حيث أمركم الله فعن ابن عباس رضي الله عنه أن معناه من حيث أمركم الله بتجنبه حال الحيض وهو الفرج وعن ابن الحنفية رضي الله عنه أن معناه من قبل النكاح دون السفاح وعن الزجاج معناه من الجهات التي يحل فيها الوطي لا ما لا يحل كوطيهن وهن صائمات أو محرمات أو معتكفات والأول هو الذي اختاره الشيخ أبو علي الطبرسي في مجمع البيان وقوله تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين أي يحب التوابين عن الذنوب ويحب المتطهرين أي المتنزهين عن الأقذار كمجامعة الحائض مثلا وقيل التوابين عن الكبائر والمطهر عن الصغائر والحرث في قوله تعالى نساؤكم حرث لكم قد يفسر بالمزرع تشبيها بما يلقى في أرحامهن من النطف بالبذر وقال أبو عبيدة كنى سبحانه بالحرث عن الجماع أي محل حرث لكم وقد جاء في اللغة الحرث بمعنى الكسب ومن هنا قال بعض المفسرين معنى حرث لكم أي ذوات حرث تحرثون منهن الولد واللذة وقوله تعالى أنى شئتم قد اختلف في تفسيره فقيل معناه من أي موضع شئتم ففي الآية دلالة على جواز إتيان المرأة في دبرها وعليه أكثر علمائنا
(٣١٧)