ما تحت الزند وما تحت المرفق وما تحت المنكب بين سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى المرفق وللصيقل اصقل سيفي إلى القبضة وليس في الآية الكريمة دلالة على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه بالمرفق كما أنه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخاضب والصيقل بأصابع اليد وطرف السيف فهي مجملة وسيما إذا جعلت لفظة إلى فيها بمعنى مع كما في بعض التفاسير فالاستدلال بها على وجوب الابتداء بالأصابع استدلال واه لاحتمالها كلا من الأمرين ونحن إنما عرفنا وجوب الابتداء بالمرفق من فعل أئمتنا صلوات الله عليهم درس أمره سبحانه بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين يقتضي إيجاب إيصال الماء إلى البشرة فيجب تخليل المانع من وصوله إليها ولا يجزي المسح على القلنسوة ولا على الخفين وقد خالف أكثر العامة في الخفين فجوزوا المسح عليهما بشروط ذكروها وأما نحن فقد تواتر عندنا منع أئمتنا عليهم السلام منه وإنكارهم على من يفعله وقد دلت الآية أيضا على وجوب مباشرة المكلف أفعال الوضوء بنفسه إذ المتبادر من الأمر بفعل إرادة الأمر قيام الفاعل به على الانفراد إلا مع قرينة صارفة وسيما أمثال هذه الأفعال فقد استفيد من الآية عدم جواز التولية في الوضوء مع القدرة وكذا المشاركة فيه وهو مذهب علمائنا إلا ابن الجنيد فقد وافق بعض العامة في جوازهما أما الاستعانة فيه بصب الماء في اليد ليغسل بها فلا دلالة في الآية على منعها لخروجها عن مفهوم الغسل وقد عدها علمائنا من مكروهات الوضوء وستسمع الكلام فيها عن قريب وقد يستفاد من الآية وجوب غسل الوجه من الأعلى وإن كان الأمر بالكلي يقتضي براءة الذمة بالإتيان بأي جزئي من جزئياته لأن ذلك إذا لم يكن أحد إفراده هو الشايع المتعارف وغسل الوجه من أعلاه هو الفرد الشايع المتعارف فينصرف الأمر بالغسل المطلق الأفراد الأخر الغير المتعارفة كغسله من أسفله مثلا وعلمائنا قدس الله أسرارهم استفادوا وجوب الابتداء بالأعلى من فعل الأئمة عليهم السلام عند حكاية وضوء النبي صلى الله عليه وآله وقد يستدل على ابتدائه صلى الله عليه و آله بالأعلى بأنه لما توضأ الوضوء البياني الذي قال بعده هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به أما أن يكون بدء بالأعلى أو بالأسفل والثاني باطل وإلا لتعين على الأمة ولم يجز خلافه لكنه غير متعين بإجماع الأمة فتعين الأول وفي هذا الدليل نظر لجواز أن يكون ابتداؤه صلى الله عليه وآله بالأعلى لبيان جوازه لا لتعيينه أو أن يكون ابتداؤه عليه السلام بالأعلى لكونه من الأفعال الجبلية فإن كل من يغسل وجهه بيده يغسله من أعلاه درس المرافق جمع مرفق بكسر أوله أو فتح ثالثه أو بالعكس مجمع عظمي الذراع و العضد سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء ونحوه ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد ولا على إدخال الكعب في مسح الرجل لخروج الغاية تارة ودخولها أخرى كقوله تعالى فنظرة إلى ميسرة وقولك حفظت القرآن من أوله إلى آخره ودعوى دخول الغاية إذا لم تتميز عن المغيا بمفصل محسوس موقوفة على الثبوت وغاية ما يقتضيه عدم التمييز إدخاله احتياطا وليس الكلام فيه ومجئ إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى ويزدكم قوة إلى قوتكم وقوله عز وجل حكاية عن عيسى عليه السلام من أنصاري إلى الله إنما يجدي نفعا لو ثبت كونها هنا بمعناها ولم يثبت ونحن إنما استفدنا إدخال المرافق في الغسل من أفعال أئمتنا وقد اطبع جماهير الأمة أيضا على دخوله ولم يخالف في ذلك إلا شرذمة شاذة
(٢٨١)