سرط ككتاب وكتب وهو كالطريق في جواز التذكير والتأنيث وأصله السين صاد التطابق الطاء في الإطباق كمصيطر في مصيطر وقد يشم الصاد صوت الزاء ليكون أقرب إلى المبدل عنه وقرء ابن كثير ووريس عن يعقوب بالأصل وحمزة بالإشمام وباقون بالصاد وهي لغة قريش والمراد بالصراط المستقيم طريق الحق أو دين الإسلام وروي أن المراد به كتاب الله فالمطلوب الهداية إلى فهم معانيه وتدبر مقاصده واستنباط الأحكام منه والتعمق في بطون آياته فإن لكل آية ظهرا وبطنا " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " كل من عدا البسملة من الفاتحة عد هذه بأجمعها سابعة آياتها ومن لم يعدها آية عد صراط الذين أنعمت عليهم سادسة الآيات وغير المغضوب عليهم ولا الضالين سابعتها ومذهب أصحابنا رضوان الله عليهم هو الأول فينبغي لكاتب المصحف منا ترك علامة الآية بينهما ومن نذر قراءة آية لم يخرج عن العهدة عندنا إلا بقراءة المجموع وأما ما يترآى من خروجه عن العهدة قطعا بقراءة صراط الذين أنعمت عليهم لأنها آية على بعض القراءات المتواترة أعني قراءة من لم يجعل البسملة من السورة فهو كما ترى وهذه الآية كالتفسير والبيان للصراط المستقيم وصراط كل يدل منه وفائدته التأكيد والتنصيص على أن الطريق الذي هو علم في الاستقامة هو طريق الذين أنعم الله عليهم حيث جعل مفسرا وموضحا للصراط المستقيم كما تقول هل أدلك على أكرم الناس فلان فإن هذا أبلغ في وصفه بالكرم من قولك هل أدلك على فلان الأكرم لجعلك إياه تفسيرا وإيضاحا للإكرام بخلاف العكس والمراد بهم المذكورون في قوله عز وعلا " فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين " وقيل المراد بهم المسلمون فإن نعمة الإسلام أصل جميع النعم ورأسها وقيل الأنبياء وقيل أصحاب موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ والإنعام إيصال النعمة وهي في الأصل مصدر بمعنى الحالة التي تستلذها الإنسان ككونه ذا مال وبنين مثلا ثم أطلقت على نفس الشئ المستلذ من تسميته السبب باسم المسبب ونعم الله سبحانه وإن جعلت عن أن يحيط بها نطاق الإحصاء كما قال جل شأنه وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها إلا أنها جنسان دنيوية وأخروية وكل منهما إما موهبي أو كسبي وكل منهما إما روحاني أو جسماني فهذه ثمانية أقسام دنيوي موهبي روحاني كنفخ الروح وإفاضة العقل والفهم دنيوي موهبي جسماني كخلق الأعضاء وقواها ودنيوي كسبي روحاني كتحلية النفس عن الأمور الدينية وتحليتها بالأخلاق الزكية والملكات السنية دنيوي كسبي جسماني كالتزيين بالهيئات المطبوعة والحلي المستحسنة أخروي موهبي روحاني كان يغفر ذنوبا ويرضى عنا من سبق توبة أخروي موهبي جسماني كالأنهار من اللبن والأنهار من العسل أخروي كسبي روحاني كالغفران والرضا مع سبق التوبة و كالملذذات الروحانية المستجلية بفعل الطاعات أخروي كسبي جسماني كالملذذات الجسمانية المستجلية بالفعل المذكور والمراد هنا الأربعة الأخيرة وما يكون وسيلة إلى نيلها من الأربعة الأول والغضب ثوران النفس الإرادة الانتقام فإن أسند إليه سبحانه فباعتبار غايته على قياس ما مر في تفسير البسملة وفي العدول عن إسناده جل شأنه ببناء صيغته للمجهول والتصريح بإسناد عديله إليه عز سلطانه تشييد لمعالم العفو والرحمة وتأكيد لمعاهد الجود والكرم فكان الغضب صادر عن غيره عز وعلا وإلا فالظاهر غير الذين غضبت عليهم وعلى هذا النمط من التصريح
(٤٠٨)