والرب أما مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشئ كماله تدريجا وصف به للمبالغة كالعدل والتجوز إما عقلي أو لغوي والمبالغة في الأول أشد وما يظن من انتفائها في الثاني رأسا ليس بشئ إذ التقدير لتصحيح الحمل لا يوجب انتفائها بالكلية وإن كنت في مرية من ذلك فانظر إلى حكمهم بأن التشبيه المضمر الأداة أبلغ من مذكورها وأما صفة مشبهة من ربه تريه بعد نقله إلى فعل بالضم كما سبق مثله في الرحمن ولا إشكال في وصف المعرفة به إذ الإضافة حينئذ حقيقية من قبيل كريم البلد لانتفاء عمل النصب مع أن المراد الاستمرار دون التجدد وسمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كرب الدار أو مجموعا كالأرباب ولعل النكتة في ذلك هي أنه سبحانه هو المربي الحقيقي لكل ما حواه نطاق الإمكان وشم رائحة من الوجود وهم بأسرهم مربوبون منحطون عن مرتبة تربية الغير فإن وجدت من بعضهم بحسب الظاهر تربية فهي في الحقيقة تربية منه جل شأنه أجراها على يده فهو الرب حقيقة وإطلاق الرب على غيره مجاز يحتاج إلى قرينة فجعلوا تلك القرينة أما التقييد أو الجمع والعالم اسم لما يعلم به الشئ وكثيرا ما يجئ صيغة الفاعل بالفتح اسما للآلة التي يفعل بها الشئ كالخاتم والطابع والقالب لكنه غلب فيما يعلم به الصانع عن شأنه مما اتسم بسمة الإمكان أعني في كل جنس من أجناسه تارة كما يقال عالم الأفلاك وعالم العناصر وعليه جرى قوله جل وعلا " وما رب العالمين قال رب السماوات و الأرض وما بينهما " وفي مجموع تلك الأجناس أجرى كما يقال عالم المخلوقات وعالم الممكنات أعني جميع ما سوى الله تعالى مجردا أو ماديا فلكيا أو عنصريا وأما إطلاقه على كل واحد من آحاد أفراد الجنس فهو وإن كان مما لا مرية في جوازه إذ ما في خطة الوجود من يفتر ولا قطمير إلا وفيه حجج قاطعة على وجود الصانع الخبير إلا أن الغلبة لم يتفق في غير ذينك المعنيين ولعله في الآية الكريمة بالمعنى الأول إذ هو بالمعنى الثاني لا يجمع لعدم جريان التعدد فيه وإنما جمع معرفا باللام للإشعار بشمول ربوبيته جل شأنه جميع الأجناس ثم لما كان مطلقا على الجنس بأسره لم يبعد تنزيله منزله الجمع بل قال في مجمع البيان بانخراطه في سلك الجموع التي لا واحد لها كالنفر والجيش و كما يستغرق الجمع المعرف آحاد مفرده وإن لم يصدق عليها كما قالوه في قوله تعالى " والله يحب المحسنين " كذلك يشمل العالم أفراد الجنس المسمى به وإن لم يطلق عليها كأنها آحاد مفرده التقديري فلفظ العالمين بمنزلة جمع الجمع فكما أن الأقاويل يتناول كل واحد من آحاد الأقوال كذلك هذا اللفظ يتناول كل واحد من آحاد الأجناس وإنما جمع بالواو والنون تغليبا لأجناس العقلاء من الملائكة والإنس والجن على غيرهم وقيل هو في الأصل اسم لذوي العلم وتناوله لغيرهم بالتبع وقيل للثقلين فقط وعليه جرى قوله سبحانه لها ليكون للعالمين نذيرا وقيل للإنس منهم هذا وقد يجعل قوله جل شأنه رب العالمين دليلا على افتقار الممكنات في بقائها إلى المؤثر ويقرر تارة بأن الصفة المشبهة تدل على الثبوت والاستمرار فتربيته سبحانه له مستمرة وأعظم أفرادها ما هو مناط بقية الأفراد الأخر أعني استمرار إفاضته نور الوجود عليها إلى الأبد الذي يقتضيه حالها وفيه ما لا يخفى وأخرى بأن شمول التربية للممكنات بأسرها على ما يفيده تعريف الجمع يعطي ذلك إذ تربية بعضها كبعض الجمادات ليست
(٣٩٩)