فإن قال قائل قد رويت في هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكرت في حديث عمرو بن ميمون وغيره وقد روى عنه خلاف ذلك فذكر ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب عن الزهري قال حدثني السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب خرج فصلى على جنازة ثم أقبل على القوم فقال لهم إني وجدت آنفا من عبد الله بن عمر ريح الشراب فسألته عنه فزعم أنه طلاء وإني سائل عنه فإن كان يسكر جلدته قال ثم شهدت عمر بعد ذلك جلد عبد الله ثمانين في ريح الشراب الذي وجد منه حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت مع فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء أنا سائل عما يشرب فإن كان يسكر جلدته فجلده الحد تاما قال فهذا عمر قد حد في الشراب الذي يسكر فهذا يخالف لما رويتم عن عمرو بن ميمون وغيره عنه قيل له ما هذا يخالف لذلك لان عمر قال في هذا الحديث وأنا سائل عما شرب ما كان يسكر جلدته فقد يحتمل أن يكون أراد بذلك المقدار الذي شرب أي فإن كان ذلك المقدار يسكر فقد علمت أنه قد سكر ووجب عليه الحد وهذا أول ما حمل عليه تأويل هذا الحديث حتى لا يضاد ما سواه من الأحاديث التي قد رويت عنه وقد روى عن أبي هريرة أيضا في هذا ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا مسلم بن خالد قال حدثني زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأل عنه فإن أسقانا شرابا فليشرب منه ولا يسأل عنه فإن خشي منه فليكسره بشئ ففي هذا الحديث إباحة شرب النبيذ فإن قال قائل إنما أباحه بعد كسره بالماء وذهاب شدته قيل له هذا كلام فاسد لأنه لو كان في حال شدته حراما لكان لا يحل وإن ذهبت شدته بصب الماء عليه ألا ترى أن خمرا لو صب فيها ماء حتى غلب الماء عليها أن ذلك حرام فلما كان قد أبيح في هذا الحديث الشراب الشديد إذا كسر بالماء ثبت بذلك أنه قبل أن يكسر بالماء غير حرام فثبت بما روينا في هذا الباب إباحة ما لا يسكر من النبيذ الشديد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
(٢٢٢)