حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا ابن عون عن عامر عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه وابن عون عن ابن سيرين عن عمرو بن وهب عن المغيرة رفعه إليه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فتوضأ للصلاة فمسح على عمامته وقد ذكر الناصية بشئ ففي هذا الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على بعض الرأس وهو الناصية وظهور الناصية دليل أن بقية الرأس حكمه حكم ما ظهر منه لأنه لو كان الحكم قد ثبت بالمسح على العمامة لكان كالمسح على الخفين فلم يكن إلا وقد غيبت الرجلان فيهما ولو كان بعض الرجلين باديا لما أجزأه أن يغسل ما ظهر منهما ويمسح على ما غاب منهما فجعل حكم ما غاب منهما مضمنا بحكم ما بدأ منهما فلما وجب غسل الظاهر وجب غسل الباطن فكذلك الرأس لما وجب مسح ما ظهر منه ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه ليكون حكم كله حكما واحدا كما كان حكم الرجلين إذا غيبت بعضها في الخفين حكما واحدا فلما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأثر بمسح الناصية على مسح ما بقي من الرأس دل ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية وأن ما فعله فيما جاوز به الناصية فيما سوى ذلك من الآثار كان دليلا على الفضل لا على الوجوب حتى تستوي هذه الآثار ولا تتضاد فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار وأما من طريق النظر فإنا رأينا الوضوء يجب في أعضاء فمنها ما حكمه أن يغسل ومنها ما حكمه أن يمسح فأما ما حكمه أن يغسل فالوجه واليدان والرجلان في قول من يوجب غسلهما فكل قد أجمع أن ما وجب غسله من ذلك فلا بد من غسله كله ولا يجزئ غسل بعضه دون بعض وكلما كان ما وجب مسحه من ذلك وهو الرأس فقال قوم حكمه أن يمسح كله كما تغسل تلك الأعضاء كلها وقال آخرون يمسح بعضه دون بعضه فنظرنا في حكم المسح كيف هو فرأينا حكم المسح على الخفين قد اختلف فيه فقال قوم يمسح ظاهرهما دون باطنهما وقال آخرون يمسح ظاهرهما دون باطنهما فكل قد اتفق أن فرض المسح في ذلك هو على بعضهما دون مسح كلهما فالنظر على ذلك أن يكون كذلك حكم مسح الرأس هو على بعضه دون بعض قياسا ونظرا على ما بينا من ذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله وقد روى في ذلك عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ما يوافق ذلك
(٣١)